قوله:(إن عمل غير معدٍ لأخذ أجرة لغيره عملاً بلا جُعْل، أو معدٍ بلا إذن فلا شيء له) ، لماذا؟ لأنه عمله متبرعاً، فلو رأيت جداراً متصدعاً فهدمته وأقمته، ولم يجعل صاحبه عليه شيئاً، أو رأيت بعيراً هارباً شارداً فوجدته، ولم يجعل صاحبه عليه شيئاً، فهل تستحق شيئاً؟ ليس لك جعالة، ولا تستحق؛ لأنك متبرع بهذا العمل، أو رأيت ثوباً متسخاً فغسلته أو كويته، وهو لم يجعل أجرةً أو جعالة، فلا تستحق شيئاً؛ لأنك متبرع.
وكذا: لو سقيت إبله، فرأيت إبله وردت على ماء وهي ظمأى وسقيتها، وهو لم يجعل أجرة ولا جعالة لمن سقاها، فلا شيء لمن سقاها؛ لأنه متبرع.
هذا معنى قوله:(وإن عمل غير معدٍ لأخذ أجرة لغيره عملاً بلا جعل، فلا شيء له) ؛ وذلك لاعتباره متبرعاً، فمن خاط ثوباً بلا جُعْل أو غسله بلا جُعْل، أو طحن دقيقاً بلا جُعْل -يعني: ما أمر به-، أو رد بعيراً بلا جُعْل، أو نسخ كتاباً بلا جُعْل، فكل من فعل ذلك اعتبر متبرعاً ولا شيء له.
وكذلك قوله:(معدٍ بلا إذن) إذا كان معداً للجعالة، ولكن فعلته بدون إذنه، فلا شيء لك.
يعني: ما أذن لك أن تحفر بئره، ولو قلت: أخشى أن يموت حرثه أو شجره، فحفرتها حتى يكون فيها ماء، أو أحصد زرعه بدون أن يأذن لي ولو لم يجعل جعالة، أحصده حتى لا تأكله الطير أو الوحوش والدواب فليس لك جعل؛ وذلك لأنه ما أذن لك.
قوله:(إلا في تحصيل متاع من بحر أو فلاة فله أجر مثله) .
وهذا مستثنى، فمثلاً: إذا سقط متاعه في بحر، سقط منه كيس في بحر فأنقذته، أو متاع أوان فأنقذتها، ففي هذه الحال لك أجرة المثل، وكذلك لو وجدت له كيساً في صحراء وعرفت أنك إذا لم تأخذه فإنه سيلتقط -سيأخذه اللصوص ونحوهم- أو وجدت شاة ضالة وعرفت أنك إذا لم تنقذها ماتت، أو تلفت، فتستحق تشجيعاً لك على هذا أجرة المثل.
يقول:(وفي رقيق دينار أو اثنا عشر درهماً) .
يعني: العبد إذا هرب، وقد ورد عن بعض الصحابة أنهم قدروا أجرة رده ديناراً أو اثنا عشر درهماً، فإذا أبق العبد وجاء به إنسان إلى صاحبه، فإنه يستحق ذلك، والدينار: يقدر بأربعة أسباع الجنيه السعودي، والدراهم: اثنا عشر درهماً في ذلك الوقت، وهي مقابل الدينار.