قال المصنف رحمه الله تعالى:[وليس لولد ولا لورثته مطالبة أبيه بدين ونحوه، بل بنفقه واجبة، ومن مرضه غير مخوفٍ تصرفه كصحيح، أو مخوف كبرسامٍ أو إسهال متداركٍ، وما قال طبيبان مسلمان عدلان عند إشكاله إنه مخوفٌ، لا يلزم تبرعه لوارثٍ بشيءٍ، ولا بما فوق الثلث لغيره إلا بإجازة الورثة.
ومن امتد مرضه بجذام ونحوه ولم يقطعه بفراش فكصحيح، ويعتبر عند الموت كونه وارثاً أو لا، ويبدأ بالأول فالأول بالعطية، ولا يصح الرجوع فيها، ويعتبر قبولها عند وجودها، ويثبت الملك فيها من حينها، والوصية بخلاف ذلك كله] .
تقدم فيما يتعلق بالعطية ما يحل للأب أن يأخذ من مال ولده، وعرفنا شروطه، ثم يقول المصنف:(وليس لولد ولا لورثة مطالبة أبيه بدين ونحوه، بل بنفقة واجبة) أي: إذا كان لك دين على والدك فليس لك أن تطالب أباك بهذا الدين، وتقول: إن عندك لي ديناً يا أبي، بل إن دفعه الأب ورده فلك أخذه، وإلا فله أن يأخذ ويتملك من مال ولده ما لا يضره ولا يحتاجه، فإذا استدان منه ديناً فليس له أن يطالبه ويقول: أعطني يا أبي الدين الذي عندك، وكذلك إذا مات الابن فليس لورثته مطالبة أجدادهم، ويقولون: إن أبانا كان له دين عندك أيها الأب الأبعد، أيها الجد، ليس لهم ذلك.
وظاهر هذا أنه يجوز له أن يأخذ من مال أولاد ابنه، وأن الجد بمنزلة الأب يأخذ من مال ابنه، ومن مال ابن ابنه وإن نزل؛ لأن الجد أب، فله أن يأخذ من ماله ابنه وابن ابنه ما لا يضر الابن، ولا تتعلق به حاجته.
ويجوز للابن مطالبة أبيه بالنفقة الواجبة، فإنه يجب عليه أن ينفق على أولاده، والأصل أن الأب لا يجمع الأموال إلا لأولاده، فإذا احتاجوا للنفقة الواجبة الضرورية وجب عليه أن ينفق عليهم بقدر كفايتهم طعاماً وشراباً وكسوة وسكناً، وكذلك الحاجات الضرورية كتزويج وما أشبهه.
وللأب أن يسوي بينهم في النفقة، فلا يزيد لهذا عن هذا، أو لهؤلاء عن هؤلاء لأنه يحبهم، بل يعطيهم بالسوية، فلا يشتري لهذا كسوة غالية وهذا كسوة رخيصة، أو يطعم هؤلاء من اللحوم والفواكه، وهؤلاء من يابس الخبز وما أشبهه، بل عليه أن يسوي بينهم، وإذا قصر عليهم وكادوا أن يجوعوا، فلهم مطالبة أبيهم حتى يسد خلتهم وحاجتهم.