[حكم من عجز عن أداء الحج أو العمرة لمرض لا يرجى برؤه]
قال المصنف رحمه الله: (وإن عجز لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر من حيث وجبا) .
العاجز لكبر كالذي لا يستطيع الركوب أو الحركة ونحو ذلك يقيم من يحج عنه، فقد ثبت في الصحيح في قصة المرأة التي من خثعم أنها قالت: (يا رسول الله! إن فريضة الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم) وقاس ذلك بالدين.
أي أنها عرفت أن الفريضة قد وجبت عليه، وذلك لأنه عاقل وفاهم ومكلف، ولكن لكبره لا يستطيع أن يثبت على البعير، ولا يستطيع أن يتماسك، ويحتاج إلى من يمسكه، فأمرها بأن تحج عنه بعد حجتها.
وفي هذه الأزمنة قد يوجد من هذه حالته، ويمكن أن يقال: إن البعير ليس مثل السيارة؛ فالسيارة مركبها مريح وكذلك الطائرة، ولكن يوجد بعض كبار السن إذا ركب السيارة أغمي عليه فلا يستطيع أن يركبها، وكذلك الطائرة ونحوها، يغمى عليه فلا يستطيع أن يفيق ولا يتمكن من الثبات، فهذا معذور وعليه أن يقيم من يحج عنه.
واشترطوا في المرض أنه لا يرجى برؤه، فإذا قرر الأطباء أن هذا المرض يستمر معه إلى الموت وليس هناك أمل في الشفاء فعليه -والحال هذه- أن يقيم من يحج عنه، وكذلك العمرة.
ثم قوله: [من حيث وجبا] ، أي: يقيم من يحج عنه ويكون ذلك من ماله [من حيث وجبا] يعني: من بلاده التي وجب عليه أن يحج منها، ولا يجوز من أقرب منها؛ لأن تكلفة الحج تختلف باختلاف البلاد، فتكلفة الحج من الرياض -مثلاً- ثلاثة آلاف ريال سعودي ذهاباً وإياباً بما في ذلك الفدية ونحوها، وتكلفة الحج من جدة أو من الطائف ألف أو نحوه، فإذا كان الذي عجز عن الحج لمرض أو لكبر من أهل الرياض أقاموا من يحج عنه من الرياض، ولا يجوز أن يكون من يحج عنه من الطائف ولا من المدينة ولا من جدة، وذلك لأن التكلفة أقل، وهو مكلف بأن يحج من هذه البلاد، ونقول كذلك أيضاً فيمن هو من خارج المملكة، فإذا وجب عليه الحج وهو من أهل قطر أو من أهل الكويت، والتكلفة هناك قد تكون أكثر، قد تبلغ مثلاً خمسة آلاف أو ستة، فلا يجوز أن يقيم من يحج عنه من الرياض ولا من المدينة؛ لأنها أقل، إلا إذا لم يخلف إلا تركة قليلة فإنه يحج عنه من حيث بلغت تلك التركة.
وكذلك لو قدر أن إنساناً سافر للحج، فلما وصل -مثلاً- إلى الطائف أو قريباً منها توفي قبل الإحرام، ففي هذه الحال يقام من يحج عنه من أهل الطائف؛ لأنه قد قطع هذه المسافة، هذا إذا كان الحج فرضاً، أما إذا كان تطوعاً فيجوز أن يحج عنه ولو من أهل مكة؛ لأن التطوع تبرع.
فإن برئ هذا المريض قبل إحرام النائب لم يجزئه الحج عنه، ولزمه -والحال هذه- أن يحج بنفسه؛ لأنه زال عذره.
إما إذا لم يبرأ إلا بعد أن أحرم نائبه فإن حجة النائب عنه مجزئه.
فالحاصل أنه إذا وكل من يحج عنه ويعتمر عنه ثم برأ قبل أن يحرم النائب بالحج أو بالعمرة بطلت النيابة ولزمه أن يحج بنفسه، وأما إذا أحرم النائب قبل برئه ثم برأ بعد ذلك فإن حج النائب يكفي.