للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نقض القاضي لحكم قاض آخر]

يقول: (ولو رفع إليه حكم لا يلزمه نقضه لينفذه لزمه تنفيذه) .

كان التنفيذ عند القاضي، وفي هذه الأزمنة يكون التنفيذ عند المحافظ وعند الأمير فهو الذي ينفذ قضاء القضاة الذين في محافظته، ولكن لو رفعت إليه قضية من قاض آخر، والمدعى عليه في محافظته، فإنه ينفذه.

أو عادتهم في هذه الأزمنة أن الدعوى تكون في بلد المدعى عليه، فإذا كان المدعي من أهل الرياض والمدعى عليه من أهل مكة، فإن المدعي يذهب إلى قاضي مكة ويقول له: إني أدعي على فلان وهو موجود الآن، فيحضر ويشهد عليه الشهود، فإذا لم يطعن فيهم حكم قاضي مكة عليه بالإلزام، وإذا حكم رفع الحكم إلى أمير مكة، والأمير هو الذي ينفذ، فيلزمه ويقول: حكم عليك القاضي بكذا فسلم ما حكم به عليك فيلزمه بذلك.

لكن لو أن الدعوى كانت في المدينة وفيها المدعي والمدعى عليه، وحكم قاضي المدينة، وأخرج بذلك صكاً، ثم إن المدعى عليه انتقل إلى مكة، فجاء المدعي بالصك وقال: يا أمير مكة! فلان حكم عليه قاضي المدينة بهذا الحكم، وهو الآن يقيم بمكة، فإن أمير مكة يلزمه وينفذ حكم القاضي ويقول: أخرج ما عندك وادفع ما حكم به عليك وإلا عاقبناك، فالتنفيذ يكون على الأمراء والمحافظين.

وقديماً كان التنفيذ على القاضي، فهو يلزم ويقول: إني قد حكمت على فلان بكذا؛ يا فلان! سلم الحق الذي عندك.

ثم قد يكون المحكوم عليه غائباً، فإذا حكم القاضي بالحكم وأعطى الصك لصاحب الحق وقال: إني حكمت بموجب بينتك، ولكن المحكوم عليه انتقل إلى مكة مثلاً، أو إلى الأحساء، اذهب بصكي هذا إلى قاضي الأحساء وقل: إن فلاناً عنده لي حق، وقد حكم به القاضي، وهذا صك الحكم وهو موجود عندكم، فالقاضي يأمره وينفذ حكم القاضي.

لكن لو أن القاضي الثاني قرأ الحكم ورأى فيه خللاً، أو خطأً وغلطاً، أو جاء المدعى عليه وبين أن القاضي الأول قد أخطأ، وقال: إنه حكم ببينة غير مقبولة، أو إن البينة لهم مصلحة، فإن القاضي الثاني ينقض الحكم الأول ويقول: لا أحكم به؛ وذلك لأنه رأى أنه غير صالح وأن عليه مطعناً.

وفي هذه الأزمنة إذا حكم القاضي بحكم فإن المحكوم عليه يطلب إمهالاً حتى يعترض عليه، ويسمونه: لائحة الاعتراض، فيخرج لائحة اعتراض فيقول: أعترض على الحكم بكذا، وأعترض عليه بكذا وكذا، وأعترض عليه بكذا وكذا، فإذا اعترض عليه بهذه الاعتراضات نظر فيها القاضي مرة أخرى، فإن كانت مناسبة نقض حكمه الأول، وإن لم تكن مناسبة أجاب عنها وقال: الصواب كذا والصواب كذا.

وفي هذه الأزمنة أيضاً: شكلت الحكومة هيئة التمييز، وهي التي تنظر في الحكم بعد القضاء، فإذا لم يقنع المحكوم عليه فيرفع قضيته إلى هذه الهيئة، وغالباً أن كل دعوى يطلب أهلها تمييزها فإنها تميز، وكثرت على الهيئة المرافعات، لعله يأتيهم في كل يوم مئات القضايا وألوف القضايا، وغالباً أنهم لا يقرءون تلك القضايا، وإنما ينظرون إلى مقدمة القضية ثم يكتبون موافقة.

والأولى في كل قضية أن عليهم النظر في دعوى المدعي، وفي اعتراضات هذا المعترض، ولا يكتفون بقراءة الدعوى والإجابة الأولى، هذا هو الواجب؛ لأنهم يحكمون، ولأنهم يعتبرون قد حكموا، فإذا لم يقرءوا القضية ولم يقرءوا الاعتراضات فليس لهم أن يحكموا، ولا أن يوافقوا، ولهم أن يردوها ويقولون: نحن منشغلون، أو لم نتفرغ لقراءتها، أو يشكل لها لجنة، أو ما أشبه ذلك.