بعد ما يصلى على الجنازة يشرع حملها إلى القبر، وكانوا يحملونها على الأكتاف، ويجوز حملها على الدابة، وفي هذه الأزمنة يجوز أن تحمل على السيارة، وقد كانوا يستحبون أن يحملها أربعة، وكل واحد يحمل من الجهات الأربع حتى يكون قد حملها، فيحمل مع الجانب الأيمن المتقدم ويجعله على كتفه الأيسر، ثم يتأخر ويحمل الجانب الأيمن المؤخر فيجعله على كتفه الأيسر، ثم ينتقل فيحمل الجانب المقدم الأيسر ويحمله على كتفه الأيمن، ثم المؤخر الأيسر يحمله على كتفه الأيمن، ويكون كأنه حملها كلها، هذا معنى قوله: يسن التربيع في حملها.
وأما الإسراع فاستدلوا عليه بقوله صلى الله عليه وسلم:(أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) وقد أخذ بعضهم بظاهر الحديث وقال: الإسراع هو شدة السير في حملها، فيسرعون في حملها جداً، ويسيرون سيراً سريعاً، حتى قالوا: إنه مر بجنازة وكأنها تنفض نفضاً، ولكن إذا كان فيه مشقة أو كان المكان بعيداً فإنهم لا يكلفون على أنفسهم، وإنما يسيرون سيراً هادئاً، ومعلوم أنهم بالسيارات لا يتمكنون من الإسراع إلا بالسير المعتاد؛ لشدة الزحام ولكثرة السيارات، فيسيرون السير الذي يمكنهم بحسب اتساع الطريق أو ضيقه.
القول الثاني: أن المراد به الإسراع في التجهيز، يعني: لا تحبسوها، كما ذكرنا في قوله صلى الله عليه وسلم:(لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) فيكون المراد أسرعوا بتجهيزها، ويكون قوله:(تضعونه عن رقابكم) أي: تتخلصون منه؛ لأنكم ملزمون به، وليس الكل يحملونها على رقابهم، بل يحملها عادة أربعة أو نحوهم.
ويسن كون الماشي أمامها والراكب خلفها، ويجوز الركوب لحاجة كما لو كان المكان بعيداً، وكانوا يحملونها على الرقاب، والأصل إباحة المشي خلفها وأمامها، والأكثر والمعتاد أنهم يمشون خلفها، وبذلك يفسر التبع في قوله:(ومن تبعها حتى تدفن) ، وهذا يدل على أنهم يتبعونها، وأنهم يكونون خلفها، أما في هذه الأزمنة ولوجود السيارات؛ فلا يتمكن من تحقيق التأخر، ولكن على حسب ما تيسر.
وكذلك القرب منها، يعني: كونه قريباً منها، وهذا يتيسر إذا كانت محمولة على الأعناق، وأما إذا كانت على السيارات ففي ذلك شيء من الصعوبة.