قال المصنف رحمه الله:(وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم) أي: إذا وقف على جماعة؛ فإذا كان يمكن حصرهم فلابد من حصرهم، كما لو وقف على من في هذه القرية من بني هاشم أو من بني عبد المطلب أو من بني علي، أي: من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم محصورون بأولاد فلان وأولاد فلان وأولادهم، فيجب حصرهم والتسوية بينهم، فيفرق الوقف على الذكر والأنثى منهم، ويسوى بينهم.
أما إذا كثروا ولم يمكن حصرهم ففي هذه الحال يجوز التخصيص والتفضيل، ويجوز الاقتصار على واحد أو على جماعة؛ وذلك لأنه لا يمكن حصرهم، ففي هذه الأزمنة لا يمكن حصر الذين ينتسبون إلى الحسن والحسين، فأهل البيت لا يمكن حصرهم؛ لأنهم يوجدون في كل دولة، فملوك الأردن وملوك المغرب يدّعون ذلك، وكذلك يوجد منهم في المملكة قبائل كثيرون، فمن وقف مثلاً على الأشراف لم يمكن حصرهم، فيجوز أن يُقتصر على بعضهم، ويجوز أن يفضل هذا على هذا، والأولى في هذه الحال أن يُقتصر على ذوي الاستحقاق من الغارمين والعاجزين ومن يلحق بهم.
مسائل الوقف متعددة قد أطال العلماء فيها، ولكن المؤلف هنا اقتصر على أهمها، ومن أراد التوسع فيها فقد أُلّف فيها مؤلفات، وذلك لكثرة الخلاف الذي يقع فيها.
يوجد الآن أوقاف يمكن أن لها ألف عام أو أكثر وهي تصرف في مصارفها، وهناك أوقاف في الهند وفي المغرب وفي كثير من البلاد موقوفة على الكعبة، أو على المسجد الحرام، وقد استغنى عنها المسجد الحرام، بسبب أن الدولة خدمته وأقامت ما حوله ووسعته، كذلك أيضاً تشاهد الأوقاف التي في مكة مثل عمائر الأشراف، فهذه أوقاف على توسعة الحرم أو على خدمته أو على عمارته أو إنارته أو ما أشبه ذلك، يُصرف منه في وجوه ما يحتاجه شيء يسير والبقية يأخذها أولئك الذين يدعون أنهم من الأشراف، وأنهم وكلاء على ذلك، يصرفونها بما يرونه.
وبكل حال فالوقف من أفضل الأعمال لما ذُكر في الحديث:(صدقة جارية) ، وذكروا أن الصحابة ما منهم من أحد إلا وحبس عقاراً، وأن تلك الأحباس بقيت مدة طويلة لمكة، وأن الذين كانوا يتولونها استولوا عليها فيما بعد، وقد نزعت ملكية كثير منها، وعمر بها هذه العمارات التي في مكة، التي على عشرة أدوار أو خمسة عشر، والغالب أنها من تلك الأوقاف التي كانت قرب مكة، ولما نزعت ملكيتها عمر بها في أماكن، وأهلها الذين وقفت عليهم يستغلونها.
ومن الأوقاف أيضاً الأرض التي فتحت عنوة في عهد عمر رضي الله عنه، وهي أرض الشام ومصر والعراق، فإنها عندما فتحت رأى عمر رضي الله عنه وقفها، وعدم بيعها وعدم قسمتها، وجعلها وقفاً لبيت المال، يُضرب عليها خراج مستمر يؤخذ ممن هي في يده، فإذا كان الذي يزرعها أو يحرثها ذمياً دفع ما يسمى بالعُشر خراجاً، ويسمى الديوان، وكذلك إذا كان الذي يزرعها مسلماً فإنه يُخرج الزكاة ويُخرج أيضاً الأجرة التي هي الخراج، فيؤخذ منه الخمس، إذا كانت تسقى بغير مئونة أخرج العشر لأنه زكاة، والعشر الثاني كأجرة لها، ومع ذلك فإنها في هذه الأزمنة اقتطعت وقسمت وبيعت، ولم تبق على ما كانت عليه.