إذا كانت معاملاته محرمة؛ يأخذ الرشا، أو يخدع في البيوع، أو يأكل أموال الناس بالباطل، أو يتعامل بمعاملات ربوية أو ما أشبه ذلك، فتكره إجابته، ويكره الأكل من ماله، وتكره معاملته من بيع وشراء، ويكره قبول هديته وهبته إذا كان في ماله حرام؛ لأن في ذلك شيئاً من إقراره بهذا الحرام، وقد يكون ذلك أيضاً سبباً في تقريره، وبعض العلماء يقول: يجوز قبول هديته؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل هدايا ملوك الكفار، فملك مصر، وملك الشام، وملك عمان، كانوا يهدون إليه، ويقبل منهم وهم كفار، ويكون إثم المكسب عليهم، ولكن لما كان أصل المال فيه حرام، فالذي يأكله كأنه يقره، ويتغذى بشيء من جملة ما حرم الله، فالأولى أنك لا تجيب دعوته، ولا تقبل هبته وهديته أو كرامته، ولا تتعامل معه ببيع أو شراء وأنت تعرف أنه يتعاطى المحرمات.
وأما الأكل فإذا دُعي الإنسان إلى وليمة أو إلى طعام فإن الدعوة لأجل الأكل، فالذي يُدعى ولكنه لا يأكل يكون كأنه ما أتى، فلذلك يُستحب أن يأكل، ومتى يباح الطعام إذا قُدِّم؟ تتوقف إباحته على الإذن أو على القرينة، الإذن أن يقول: كلوا، أو كلوا باسم الله، أو يأمرهم، وأما القرينة فإذا وضع الطعام على الخوان ودعاهم وقال: هلُموا وجلسوا؛ فإن تقديمه إذن في أكله، فلا يحتاج إلى إذن خاص: ما جيء بالطعام إلا للالتقام لا تحتشم من أكل كفعل أهل الجهل فيأكل منه إذا قُدِّم له الأكل الذي تهواه نفسه، فإذا كان صائماً صيام فريضة كقضاء أو نحوه فيقتصر على الدعاء، فيدعو وينصرف، كما جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال:(إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطراً فليأكل، وإن كان صائماً فليُصلِ) يعني: يدعو له بالبركة وينصرف، أما إذا كان صيامه نفلاً فيستحب أن يفطر؛ ليجبر خاطر صاحبه الذي دعاه، كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم دعاه أحد الصحابة، فلما جلسوا للأكل اعتزل أحدهم وقال:(إني صائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعاكم أخوكم وجمعكم وقدّم لكم هذا الطعام، أَفطرْ وصمْ يوماً مكانه) فهذا إذا كان نفلاً، وكان أكله فيه جبر لخاطر صاحبه، وفي عدم أكله إساءة الظن به، وإذا لم يكن هناك إساءة ظن فلا داعي إلى ذلك.