إذا قتل الجاني نفساً فالدية -كما تقدم- مائة من الإبل، وتصح أن تكون الدية من البقر أو من الغنم أو من الذهب أو من الفضة، والأطراف فيها دية، وذلك لأن ذهابها خلل على الإنسان، وهذه الأطراف والحواس التي في الإنسان ما كان منها واحداً ففيه الدية كاملة، سواءٌ أكانت منفعته كثيرة أم قليلة، والذي في الإنسان منه واحد ثلاثة: الأنف، فإذا قطعت الأنف من أصله ففيه الدية، واللسان، فإذا قطع من أصله بحيث تعطل الكلام ففيه الدية كاملة، والذكر، فإذا قطع من أصله ففيه الدية كاملة.
أما إذا قطع بعض ذلك ففيه نسبته، فإذا قطع نصف اللسان أو نصف الذكر أو مقدم الأنف فإن فيه نصف الدية أو بقدر ما قطع منه، وذلك لأن هذه فيها منافع، ومنافعها ظاهرة وإن كانت تتفاوت، فالأنف منفعته في الجمال، نصبه الله تعالى في مقدم وجه الإنسان زيادة في الجمال، فإذا قطع فإن فيه القصاص، قال الله تعال:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ}[المائدة:٤٥] ، فجعل في الأنف قصاصاً.
وأما اللسان فلا شك أن منفعته عظيمة، وأجل منفعته النطق، وأكثر الحروف إنما هي من حركة اللسان، ومن منفعته أيضاً الذوق، فإنك إذا وضعت على لسانك حامضاً أو حالياً أو مراً فبه تعرف الطعم، فالطعوم غالباً إنما تميزها بلسانك، ولو وضعتها في يدك لم تعرف هل هذا الشيء مالح أو حامض أو حالٍ أو مر حتى تضعه في لسانك، فاللسان فيه هذه الفائدة التي هي الذوق، وكذلك أيضاً اللسان يحرك الأكل في الفم، فهو يجمع الأكل ويفرقه، فله فوائد عظيمة ولو أنه شيء خفي لا يبرز وينطبق عليه الفم، ففائدته عظيمة، فلذلك فيه الدية.
والذكر أيضاً فيه فائدة الاستمتاع ونحوه، فهذه ثلاثة أشياء ليس بالبدن منها إلا واحد من كل واحد، لكن قالوا: إن الأنف يحتوي على هذه الثلاثة الأطراف: المنخران والحاجز بينهما، فلو أن إنساناً قطع أحد المنخرين وترك المنخر الآخر وترك الحاجز فعليه ثلث الدية، فإذا قطع المنخرين وترك الحاجز فعليه الثلثان، وإذا قطع الحاجز وترك المنخرين فعليه الثلث، فالأنف يكتمل على هذا الحاجز وعلى طرفي الأنف اللذين هما طرفا المنخرين، ففي كل جزء ثلث الدية، وفي الجميع الدية كاملة إذا قطع الأنف بحاجزه ومنخريه.