ولا تقبل توبة المنافق، ويسمى الزنديق الذي يقول بلسانه ما ليس في قلبه، إذا عرف بأنه يميل مع الكفار وأنه كما قال الله تعالى:{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ}[البقرة:١٤] ، وأنهم يتربصون بالمؤمنين الدوائر:{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنْ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء:١٤١] ، فمثل هؤلاء ظاهرهم مع المؤمنين، وباطنهم مع الكفار، فمثل هؤلاء زنادقة لا تقبل توبتهم، وكذلك إذا استمروا على ذلك فالعادة أن دياناتهم وأعمالهم لا تتغير، سيما إذا طعن أحدهم في السن.
ذكر أن أحد الزنادقة أحضر عند المهدي وقرره، فثبت عنده أنه زنديق فأمر بقتله، فقال ذلك المنافق والزنديق: هب أنك قتلتني، كيف تصنع بأربعة آلاف حديث كذبتها على نبيكم؟! فقال: تعيش لها نقادها يعني أن الله تعالى حفظ دينه، وهناك من ينتقدها، ويبينها، ومن يحذر منها.
وأحضر إليه رجل أديب ولكنه متهم أيضاً بالزندقة، فاستتابه فأظهر التوبة، ولما عفا عنه تذكر أبياتاً له فرده وقتله بسببها، وهي قوله: وإن من أدبته في الصبى كالزرع يسقى الماء في غرسه والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يوارى في ثرى رمسه إذا ارعوى عاد إلى جهله كذي الضنا عاد إلى نكسه فقال: أنت شيخ -يعني: كبير- فلا تترك أخلاقك، وقد اعترفت على نفسك.
فقوله:(والشيخ لا يترك أخلاقه) يعني: كبير السن (حتى يوارى في ثرى رمسه) يعني: حتى يدفن، (إذا ارعوى عاد إلى جهله كذي الضنا) : يعني: المرض (عاد إلى نكسه) ، فقتله على زندقتة في هذه الأبيات.