للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شروط الإطعام في الكفارة]

وإطعام ستين مسكيناً يكون بأن يعطي كل واحد منهم ما يكفيه وجبة واحدة كغداء أو عشاء، وقد ذكر الله تعالى الإطعام في كفارة اليمين في قوله: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة:٨٩] أي: من الطعام الوسط، فلا يكلف نفسه الطعام الثمين الغالي، ولا يجزئ الرخيص الدنيء، بل ينظر الإنسان إلى أكثر ما يطعم أهله، فأحياناً قد يشتري لأهله في بعض المناسبات أنواعاً من اللحوم، كالسمك، أو لحم حمام أو نحو ذلك، أو لحوم شياه أو لحوم ضأن ونحو ذلك، وأحياناً لا يطعمهم إلا الخبز فقط بدون لحم، وبدون فاكهة لبعض الأسباب، فينظر إلى أكثر ما يطعم أهله، فإذا قال: أكثر ما أطعم أهلي وأوسط ما أطعمهم الأرز ولحم دجاج وشيء من الفاكهة.

نقول: أخرج هذا في كفارة اليمين، وفي كفارة الظهار، وما أشبهها؛ لأن الله قال: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة:٨٩] .

ومن العلماء من يقول: لابد أن يملكهم، فيعطي كل مسكين ما يكفيه يومه ذلك كغداء أو عشاء، يسلمه له، حتى يتصرف فيه ذلك المسكين.

ومنهم من يقول: يكفي أن يدعوهم ليأكلوا في بيته حتى يشبعوا، فإذا شبعوا صدق عليه أنه أطعمهم.

وقد ذكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه في آخر حياته -بعد أن تجاوز عمره المائة- صعب عليه الصيام، فكان إذا دخل رمضان يجمع ثلاثين مسكيناً فيعشيهم أول ليلة حتى يشبعوا، ويكتفي بذلك عن الصيام، وأخذ ذلك من قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:١٨٤] فجعل طعام المسكين قائماً مقام الصيام، فكذلك تكون الكفارة، ومعنى هذا: أنه لو جمع ستين مسكيناً، وجعل لهم طعاماً من جنس طعام أهله، من خبز ولحم، أو أرز ولحم معتاد، أو غير ذلك من الأطعمة فإنه يكفي إذا أكلوا حتى شبعوا.

وكذلك إذا ملكهم، وتمليكهم أن يسلم لكل واحد منهم ما يكفيه، والفقهاء يشترطون أن يملكهم، والمصنف يقول: ولا يجزئ التكفير -يعني: بالإطعام- إلا بما يجزئ فطرة، وقد تقدم اختيار الحنابلة أن زكاة الفطر تكون من خمسة: من البر والشعير والتمر والزبيب والأقط؛ لأنها هي المعتاد أكلها في ذلك الزمان، ولكن الصحيح أنها تجزئ من غالب قوت البلد، فكذلك الكفارة تكون من غالب قوت البلد، ففي بلدنا هذا الغالب هو الأرز، وأغلب الناس وأوسطهم يأكلون مع الأرز شيئاً من لحم الدجاج أو من لحم الإبل أو من لحم الغنم كإدام له، وغالباً يأكلون معه شيئاً من الفاكهة التي يتفكه بها كتفاح أو موز أو برتقال أو نحو ذلك من الفواكه، فإذا كان هذا هو غالب قوت أهله فإنه يطعم المساكين من مثل هذا.

والذين اشترطوا أن يملكهم قالوا: يعطيهم طعاماً غير مطبوخ، فيجزئ من البر لكل مسكين مد، ومن غيره لكل مسكين مدان.

وقوله: (ومن غيره) يعم بقية أنواع الطعام، فمعنى ذلك أنه لو أطعم المساكين من الزبيب فلابد من مدين، أو من التمر فلابد من مدين، مع تفاوت القيمة، ومعلوم أن المدين من الزبيب قد تكون قيمتهما عشرين ريالاً، والمدان من التمر السائد المعتاد قد تكون قيمتهما ثلاثة ريالات أو أربعة، ومع ذلك جعلوه سواء، وقد اختار مشايخنا أنه يطعم نصف صاع من الجميع، فيكفيه أن يملكهم نصف صاع من البر، أو نصف صاع من الأرز، أو نصف صاع من التمر أو من الزبيب أو من الذرة أو ما أشبه ذلك، إذا كان هو القوت السائد.