يقول بعد ذلك:[وفي كل من شعر رأس وحاجبين وأهداب عينين ولحية الدية كاملة] .
هذه الشعور أنبتها الله تعالى زينة، فإذا أذهبها فعليه الدية كاملة، وأسهلها شعر الحاجبين، فلو أن إنساناً سلخ الحاجب بالموسى فقطع الحاجب ومنابته، وبقي مكانه ليس فيه شعر فقد أذهب هذه المنفعة، والحاجب أولاً جمال، وثانياً فيه حماية للعين وما يتساقط من الغبار أو من الشعر حتى لا تتأذى العينان، فإذا أزال هذا الشعر ولم يعد فعليه الدية كاملة، وكذلك أهداب العينين، فلو أنه سلخ رأس الحاجب ولم يعد ينبت الهدب فعليه الدية كاملة، في كل جفن إذا سلخ هدبه ربع الدية، وفي عين واحدة إذا سلخ منها الجفنين ولم يعد ينبت نصف الدية، وفي العين الأخرى أيضاً نصف الدية، وهذه الأهداب منفعتها عظيمة، ولهذا توجد حتى في بهيمة الأنعام، فجعل الله تعالى في مشافر العينين منها هذه الأهداب حماية للعين مما يسقط فيها؛ لأن العين جوهر لطيف تحتاج إلى حماية وإلى حرص، وجعل الله الحاجبين لحفظ العينين من الأتربة والغبار ونحو ذلك، ولو أزيل هذا الشعر لنقصت، ولصارت عرضة لما يقع فيها من شعر وغبار وتراب وما أشبه ذلك.
وكذلك شعر اللحية، فاللحية زينة للرجل، خص الله تعالى بها الرجل وميزه بها عن المرأة، فهذه اللحية زينة وجمال، فلو أن إنساناً سلخ جلدتها أو كواها حتى صارت لا تنبت فعليه الدية كاملة، إذا أذهب جمالها وأذهب زينتها فعليه الدية، حتى ولو كانت خفيفة لم ينبت منها إلا شعرات في أسفل الذقن فسلخت وأزيل مكانها ولم تعد تنبت فعليه الدية، وإذا أذهب بعضها فعليه الدية بالنسبة، واللحية اسم للشعر النابت على اللحيين وعلى الذقن، واللحيان هما منبت الأسنان السفلى، فلو أنه سلخ الخد الأيمن أو كواه وتعطل نباته فلا شك أنه يكون قد شوه المنظر، فعليه ثلث الدية، وإذا سلخ الخدين فعليه ثلثا دية، وإذا سلخ اللحية كلها أو كواها فعليه الدية كاملة.
وبذلك يعرف فضل الإسلام، حيث إن الإسلام حافظ على منافع الإنسان وعلى أعضائه، وجعل في كل منها دية حتى لا يتعدى أحد على أحد، مع أننا في هذه الأزمنة ابتلينا بمن يعادي اللحية ويستهين بأمرها ويواظب دائماً على إزالتها، فلو علم أنها شرف، وأنها زينة وجمال، وأن الشرع جعل فيها الدية كاملة لعرف قدرها.
وكذلك شعر الرأس هو أيضاً جمال، أنبته الله تعالى زينة، فهو يقي من حر الشمس أو نحوه، فإذا سلخ الرأس أو كواه ولم يعد ينبت فإن فيه الدية، فهذه أربعة شعور: شعر الرأس، وشعر الحاجبين، وشعر الأهداب، وشعر اللحية، كل واحد منها فيه الدية كاملة.
قال:[وفي بعضها النسبة] ، ففي حاجب واحد نصف الدية، وفي هدب جفن واحد ربع الدية، وكذلك إذا سلخ أو كوى نصف الرأس ففيه نصف الدية، فإن كوى ثلثه فثلث الدية، وهكذا.
أما الشارب فلم يجعلوا فيه دية، وإنما جعلوا فيه حكومة، وذلك لأنه مأمور بقصه ومأمور بحفه، والحكومة أن يقدر كأنه فيه الشارب كم قيمته لو كان مملوكاً وكم قيمته إذا سلخ شاربه ولم يعد ينبت، فينظر الفرق، فتكون فيه تلك النسبة.
قال:[وما عاد سقط ما فيه] .
لو أنه -مثلاً- كوى الحاجبين ودفعت الدية، وبعد ذلك عولج الحاجب فنبت سقط ما فيه، وإنما يكون عليه عقوبة تلك الجناية التي هي كيه أو سلخه أو ما أشبه ذلك.