[الحلف بالطلاق بنية الحث أو المنع أو التضمين]
ذكر المؤلف بعد ذلك أمثلة من الكلام الذي هو حلف؛ وذلك لأن كثيراً من الطلاق يعتبرونه حلفاً، فأتوا بهذه الأمثلة: إذا حلف لا يدخل داراً، أو لا يخرج منها، فأدخل أو أخرج بعض جسده، أو دخل طاق الباب، في هذه الحال هل يحنث؟ لا يحنث؛ لأنه ما فعل المحلوف عليه، ومثله الطلاق، لو قال: أنت طالق إن دخلت هذه الدار، فأدخلت رأسها، أو وقفت فوق الطاق، والطاق: هو الباب، إذا فتح ووقفت تحت الطاق، ما تطلق؛ لأنه ما حصل الدخول.
وكذلك لو قال: والله! لا أخرج من هذه الدار اليوم، فأطل من النافذة، وأخرج رأسه أو نحو ذلك، أو وقف في طاق الباب فلا يحنث.
وكذا لو قال لامرأته: إن خرجت من هذه الدار في هذا اليوم فأنت طالق، فأخرجت رأسها من نافذة أو من الباب، أو وقفت في طاق الباب، فلا تطلق، وكذلك إذا أخرجت يدها من الباب أو من النافذة.
إذا حلف ألا يلبس ثوباً من غزلها، فلبس ثوباً بعضه من غزلها، وبعضه من غيره، وغزلها هو الذي تحيكه، كان النساء يغزلن الصوف، وإذا غزلنه نسج ثياباً أو فرشاً أو بيوت شعر أو نحو ذلك، إذا قال: والله لا ألبس ثوباً من غزلها ولبس ثوباً بعضه من غزلها، وبعضه من غيره، ما يحنث.
وكذلك لو قال: إن لبست ثوباً من غزلها فهي طالق، ولبس ثوباً بعضه من غزلها، فلا تطلق.
إذا حلف ألا يشرب ماء هذا الإناء، كان الإناء فيه ماء فقال: والله! لا أشرب ماء هذا الإناء، فإذا شرب بعضه وقد حلف ألا يشربه لم يحنث، أما إذا حلف أن يشربه وشرب بعضه حنث، فإذا شربه كله لم يحنث.
وكذا الطلاق إذا قال: أنت طالق إن شربتِ ماء هذا الإناء، فإنها لا تطلق إذا شربت نصفه أو ثلثيه؛ لأنه علق الطلاق على شربه كله.
أما إذا قال: أنت طالق إن لم تشربي ماءه، فإذا شربته كله لم تطلق، وإن شربت بعضه طلقت.
إذا قال: والله لآكلن هذا الرغيف، أو والله لألبسن هذا الثوب أو هذه الحلة، فلا يبر إلا إذا فعله كله، ما لم يكن له نية، لو أكل بعضه حنث، وكذا لو حلف على امرأته: إن لم تأكلي هذا الرغيف فأنت طالق، فأكلت نصفه طلقت، وإن أكلته كله لم تطلق.
أو قال: أنت طالق إن أكلت الرغيف، فإن أكلت نصفه لم تطلق، وإن أكلته كله طلقت.
وهكذا إذا قال: أنت طالق إن لم تشربي هذا الماء، وشربت نصفه فإنها تطلق، فإن شربته كله لا تطلق.
أنت طالق إن شربت هذا الإناء، يعني: إن شربته أكله.
إذا كان له نية فإنها تنفعه نيته، كما لو لم يكن يتصور، لو قال مثلاً: إن شربت ماء هذا النهر فأنتِ طالق، معلوم أنه لا يتصور أن الإنسان يشرب ماء النهر الجاري كله، فعلى هذا إذا شربت منه فإنها تطلق؛ لأن القرينة تدل على أنه لا يريد شربه كله، وكذلك مثلاً لو كان الطعام كثيراً، فإذا ذبح مثلاً كبشاً، وقال: إن لم تأكلي هذا الكبش فأنت طالق.
يريد بذلك: إن لم تأكلي منه، لا يريد أنها تأكله كله؛ فإن هذا متعذر.