والقتال هو مقابلة الصفين، وقتل كل منهم للآخر إلى أن يحصل النصر للمسلمين والهزيمة للكافرين، ثم إذا انهزموا فإنهم يدفعونهم ويقتلون، ولا يجوز الأسر إلا بعد الإثخان؛ لقوله تعالى:{حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ}[محمد:٤] يعني: أكثرتم فيهم القتل {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ}[محمد:٤] أي: الأسر، أي: أوثقوهم واربطوهم.
ثم بعد ذلك إذا انهزموا ملك المسلمون ما كان عندهم، ويسمى غنيمة، وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها بدار الحرب، فمتى استولى عليها المسلمون يملكونها، وسميت غنيمة؛ لأنهم غنموا وربحوا، فإذا غنمها المسلمون قسموها خمسة أسهم: خمس يقسم، وأربعة أخماس للغانمين، والخمس الذي يحرز يجعل خمسة أسهم، قال الله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}[الأنفال:٤١] السهم الذي لله ولرسوله مصرفه كمصرف الفيء، يجعل في مصالح المسلمين، ويكون لبيت المال في المصالح التي يحتاج إليها من بناء مساجد، وإصلاح الطرق، وبناء القناطر والجسور التي فوق البحار مثلاً وكذلك أيضاً رزق وإعاشة القضاة ونحوهم، كل هذا يدخل في بيت المال.
أما سهم ذوي القربى فاختلف في أهله، فأكثر العلماء على أنهم بنو هاشم وبنو المطلب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعطيهم من سهم ذوي القربى، وفي هذه الأزمنة قد يقال: إنهم تفرقوا وكثروا، فلا يمكن حصرهم، فلذلك يعطى من هو محقق النسب، وكذلك أيضاً يعطى أقارب الرؤساء والسلاطين، ويكون لهم حق في خمس الخمس.
وسهم لليتامى الذين هم من الفقراء؛ وذلك لأنهم غير قادرين على الكسب.
وسهم للمساكين عموماً، ويدخل فيهم الفقراء أيضاً.
وسهم لأبناء السبيل، وقد تقدم تعريف الفقراء والمساكين وأبناء السبيل في الزكاة، وأنهم ممن تحل لهم الزكاة، وكذلك يعطون من خمس الغنيمة.
ثم بعد ذلك يقسم على الغانمين، ويشترط فيمن يسهم له الإسلام، فإذا قاتل مع المسلمين كافر فلا يجوز أن يعطوه، فلا يعطى الكافر من غنائم المسلمين، بل تقسم الغنائم على المسلمين الذين قاتلوا.
تقسم أربعة أخماس الغنيمة على من شهد الوقعة، للراجل سهم -والراجل: هو الذي يقاتل على رجليه- وللفارس على فرس عربي ثلاثة، وللفارس على فرس غير عربي سهمان؛ وذلك لأن الخيل العربية أقوى في الصبر، وأقوى في الجلد، وأقوى في السباق؛ لذلك يفضل الفرس العربي على غيره، ويقال في غير العربي: الهجين، وهو من كان أبوه عربياً، والثاني: المقرئ، وهو ما كانت أمه عربية، والبرذون وهو ما ليس أحد من أبويه عربياً، ولما فتحت بلاد فارس اختلطت خيول المسلمين بخيول الفرس، والفرس غير العربي أقل نكاية من العربي، فلذلك كان يعطى هذا الفرس سهماً، ويعطى الرجل سهماً، فأما إذا كان أبواه عربيين فإن الفارس له ثلاثة أسهم: سهم له، وسهمان لفرسه، هذا هو القول المشهور، وذهب الحنفية إلى أنه لا يزاد الفارس على سهمين، فيعطى الفرس سهماً، ولا يفرقون بين العربي وغيره.
والذي يقسم له من الغنيمة هو الحر المسلم المكلف، فلا يقسم للنساء، ولا يقسم للعبيد، ولا يقسم لغير مكلف كالصغير والمجنون، ولا يقسم للكافر، وإنما يرضخ لهم، والرضخ: هو إعطاؤهم من الغنيمة دون تسويتهم بغيرهم، ويعطون شيئاً يكون مناسباً لهم.