اختلفوا في مقدار الرضاع المحرم، يقول هنا:(ولا حرمة إلا بخمس رضعات) هذا هو المذهب، واستدل على ذلك بحديث عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا تحرم المصة والمصتان، ولا الإملاجة والإملاجتان) ، وذكرت عائشة وقالت:(كان مما أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ ذلك بخمس رضعات، فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهي مما يُقرأ) ، لكن هذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه، فيدل على أن الذي يحرم خمس رضعات، هذا هو المذهب.
والمالكية يقولون: يحرم قليله وكثيره، ولو مصة واحدة، وأخذوا ذلك من إطلاق الآية والحديث:(يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فجعلوا الحكم عاماً في رضعة واحدة أو أكثر، فإذا حصل الرضاع ولو مصة واحدة حرم.
ويرد عليهم بحديث عائشة الذي ذكرنا:(لا تحرم الرضعة والرضعتان، ولا المصة والمصتان، ولا الإملاجة والإملاجتان) وهذا دليل على أن القليل ما يحرم.
وذهب الأحناف إلى أنه لا يحرم إلا عشر رضعات، قالوا: لأنه هو الذي يصدق عليه أنه نبت به الجسم، ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم)(أنبت اللحم) يعني: مع التغذية نبت عليه لحم الطفل، (وأنشز العظم) أنشزه: رفعه، والإنشاز: هو الرفع والظهور، ومنه قوله تعالى:{وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا}[البقرة:٢٥٩] ، فيقولون: أربع رضعات، خمس رضعات، سبع رضعات، هذه قليلة لا يمكن أن اللحم ينبت بها، فلا بد من رضعات ينبت بها اللحم، فجعلوا أقل ذلك عشراً، هذا قول الأحناف.
والمشهور -أيضاً- عن الشافعية كالحنابلة خمس رضعات، وحيث جاء الحديث الذي ذكرت عائشة فإنه يعتبر، وهو الأقرب، وعليه العمل، أي: خمس رضعات.