قال المصنف رحمه الله تعالى:[وإذا حل الدين وامتنع من وفائه فإن كان إذن لمرتهن في بيعه باعه، وإلا أجبر على الوفاء أو بيع الرهن، فإن أبى حبس أو عزر، فإن أصر باعه حاكم ووفى دينه، وغائب كممتنع، وإن شرط أن لا يباع إذا حل الدين، أو إن جاءه بحقه في وقت كذا وإلا فالرهن له بالدين لم يصح الشرط، ولمرتهن أن يركب ما يركب ويحلب ما يحلب بقدر نفقته بلا إذن، وإن أنفق عليه بلا إذن راهن مع إمكانه لم يرجع، وإلا رجع بالأقل مما أنفقه، ونفقة كفله إن نواه، ومعار ومؤجر ومودع كرهن، ولو خرب فعمره رجع بآلته فقط.
فصل: ويصح ضمان جائز التصرف ما وجب أو سيجب على غيره لا الأمانات بل التعدي فيها، ولا جزية، وشرط رضاء ضامن فقط، ولرد حق المطالبة من شاء منهما، وتصح الكفالة ببدن من عليه حق مالي، وبكل عين يصح ضمانها، وشرط رضاء كفيل فقط، فإن مات أو تلفت العين بفعل الله تعالى قبل طلب برئ، وتجوز الحوالة على دين مستقر إن اتفق الدينان جنساً ووقتاً ووصفاً وقدراً، وتصح بخمسة على خمسة من عشرة وعكسه، ويعتبر رضا محيل ومحتال على غير مليء] .
الحكمة من شرعية الرهن التوثق لصاحب الدين، حتى إذا حل دينه ولم يوفه الراهن تمكن من بيع الرهن وأخذ دينه من ثمنه، وورد في الحديث:(لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه) يعني أن الرهن لا يخرج من ملك الراهن، بل هو باق في ملكه فله غنمه وعليه غرمه، وغنمه فائدته، فإذا أجر الرهن وكان سيارة أو بيتاً فإن الأجرة للراهن، وكذلك لو كان له ثمرة كحمل شجر مرهون أو ولد بهيمة مرهونة فإنه للراهن؛ لأنه لم يخرج من ملكه، وكذلك عليه غرمه، فعليه أجرة مخزنه إذا احتاج إلى خزانة، وعليه نفقته وأجرة الرعاة ونحوهم (له غنمه وعليه غرمه) .
فإذا حل الدين فإن المرتهن يطالبه ويقول: أوف الدين فإذا امتنع من الوفاء وأصر ولم يوف، أو عجز عن الوفاء، فلا يخلو إما أن يكون الراهن قال للمرتهن: إذا حل الدين ولم أوفك فلك أن تبيع الرهن وتستوفي دينك فيبيعه ويأخذ دينه ويرد باقي ثمنه على الراهن.
وكذلك إذا كان قد وكل وكيلاً أن يبيعه عند حلول الدين ويعطي المرتهن دينه ويعطي بقيته للراهن؛ لأنه عين ماله، وكل يستحق ما يستحقه، فيبيعه ذلك الوكيل.
فإن امتنع من بيعه ولم يأذن للمرتهن ولم يوكل ففي هذه الحال يتدخل الحاكم فيجبره على الوفاء أو بيع الرهن، فيقول: إما أن توفي دينك وتأخذ عين مالك الذي هو الرهن، وإما أن تبيع عين المرهون وتوفي الدين من قيمة الرهن.
فإذا امتنع من البيع وامتنع من الوفاء وامتنع من التوكيل تدخل الحاكم حينئذ فحبسه أو عزره بتعذيب أو نحوه إلى أن يوفي دينه أو يبيع الرهن، فإن أصر ولم يتأثر بالحبس تدخل الحاكم وباعه ووفى الدين، والحاكم في هذا الموضع هو القاضي، ومعلوم أن القاضي في هذه الأزمنة ليس هو الذي يتولى ذلك بنفسه غالباً، ولكنه يحكم فيقول: بصفة أن فلاناً امتنع عن الوفاء، وامتنع من بيع عين الرهن، وامتنع من التوكيل على بيعه فقد حكمت ببيعه واستيفاء الدين للمرتهن.
والذي إليه التنفيذ هو أمير البلد، فيقوم بتنفيذه، فيبيعه ويوفي الدين، ويحفظ بقية ثمنه لصاحبه الراهن.