[ما يكره صيامه]
يكره صيام الدهر، وما روي عن بعض السلف أنهم كانوا يصومونه فإن ذلك اجتهاد منهم، ففي حديث: (لا صام من صام الدهر) وفي حديث آخر: (لا صام ولا أفطر) .
ويكره إفراد شهر رجب بالصوم؛ وذلك لأن فيه عادات جاهلية، ومنها إفراده كله بالصيام، فهذا من العادات الجاهلية.
ويكره إفراد يوم الجمعة، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) إلا لسبب، وكذلك يوم السبت، وقد ورد فيه أيضاً: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجر فليمضغه) وقوله: (فيما افترض عليكم) يعني: فيما شرع لكم واستحب لكم صيامه، ولا يفهم منه أن المراد الفريضة في رمضان.
ويجوز صوم الجمعة والسبت لأسباب كما إذا كان أحد أيام ذي الحجة الأول، أو كان يوم عرفة يوم جمعة أو يوم سبت، أو وافق اليوم الذي يصومه، فإذا كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، فصام يوم الجمعة أفطر السبت، أو صام يوم الخميس وأفطر الجمعة وصام يوم السبت، فمثل هذا لم يتعمد صيامه، وإنما وافق صيامه، وكذلك إذا كان عاشوراء يوم سبت أو يوم جمعة جاز صيامه.
ويوم الشك هو: الذي يشك فيه هل هو من رمضان أو لا؟ ومثاله: إذا كان ليلة الثلاثين من شعبان لم ير الهلال فيها، فهل يجوز أن يصومه بالتحري؟ نعم، وقد كان يصومه بعض السلف ويقولون: لأن أصوم يوماً من شعبان أفضل من أن أفطر يوماً من رمضان، ولكن ورد فيه حديث عمار المشهور: (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم) يعني: النبي صلى الله عليه وسلم.
فليلة الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال فيها فإنه لا يصام، وليلة الثلاثين من رمضان إذا لم ير الهلال يلزم الصوم.
وكذلك يكره صيام عيد الكفار؛ لأن في صيامه شيئاً من التشبه بهم، فكأنه عظّمه موافقة لهم.
وكذلك يكره صوم اليومين الأخيرين من شعبان، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين، إلا أن يكون صوماً يصومه أحدكم فليصمه) فإذا كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ووافق اليوم الذي يصومه آخر يوم من شعبان فلا بأس بذلك؛ لأنه ما صامه على أنه تحري، ولا صامه على أنه من رمضان، فإنه كان ينهى عن وصل رمضان بغيره، فلا يوصل رمضان بيوم قبله ولا بيوم بعده، بل يلزم إفطار يوم العيد، وكذلك يتأكد إفطار يوم الثلاثين من شعبان.
ويحرم صيام يومي العيدين؛ وذلك لأنهما عيد المسلمين؛ ولأنه يفصل بها بين الأيام التي تصام والتي لا تصام، ولا يجوز صيامها ولو لنذر، ولا يجوز صيامها ولو لكفارة وغيرها.
أما أيام التشريق -وهي الثلاثة الأيام التي بعد عيد النحر: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر- فلا يجوز صيامها؛ لأنها عيد، وفي الحديث: (يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب) >ويجوز صيام أيام التشريق لمن لم يجد الهدي، فإذا كان عليه دم تمتع أو دم قران في حج المتمتع أو القارن ولم يجد الهدي يصوم ثلاثة أيام في الحج فإذا لم يتمكن من صيام الثلاثة قبل العيد صام الثلاثة بعد العيد.
قوله: (ومن دخل في فرض موسع حرم قطعه بلا عذر) يعني: إذا دخل في قضاء يوم من رمضان، فيحرم قطعه بلا عذر، أما إذا كان هناك عذر كمرض أو سفر أو نحو ذلك، فإنه لا بأس بأن يفطره، فأما إذا لم يكن هناك عذر فإنه يتم صيامه؛ لأنه دخل في فرض، وأما إذا كان في نفل فإنه يكره بلا عذر، فإذا دخل في صيام نفل كره قطعه بلا عذر، أما نفل الحج ونفل العمرة فإنه لا يجوز تركه، فإذا أحرم بحج أو بعمرة لم يجز تأخيره ولا إبطاله، بل يلزمه الإتمام كما سيأتينا في الحج إن شاء الله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.