للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الولاية العامة والخاصة للقاضي]

يقول: (تفيد ولاية حكم العامة فصل الحكومة وأخذ الحق ودفعه إلى ربه، والنظر في مال يتيم ومجنون وسفيه وغائب، ووقف عمله ليجري على شرطه وغير ذلك) .

الولاية إما أن تكون عامة وإما أن تكون خاصة، والولاية العامة كأن يقول: وليتك الولاية الفلانية ولاية عامة، بحيث أنه يوليه جميع أعمالها، والولاية الخاصة كأن يقول: وليتك فصل الخصومات، أو يقول: وليتك أخذ الحقوق من بعضهم لبعض، أو يقول: وليتك ولاية الأموال التي ليس لها مالك أو ما أشبه ذلك، فهذه تكون ولاية خاصة.

وفي هذه الأزمنة الغالب أن هناك ولايات خاصة حيث إن الحكومة تجعل لكل عمل والياً، فالقاضي يتولى فصل الخصومات، يقول: عندك يا هذا كذا، وعليك يا هذا كذا، والأمير يتولى التنفيذ، فيقول: يا فلان! سلم، ويا فلان خذ حقك، فيلزم هذا بأخذ وهذا بدفع، وهذا الذي يسمى منفذاً، وهناك ولايات أخرى، فمثلاً: الأوقاف لها ولاية، وهي الجهة التي تتولى الأوقاف، وتنفذ شروط الواقفين، وهناك ولاة يتولون على الأموال التي ليس لها مالك أو أموال السفهاء ينظرون فيها ويحفظونها، هذا إذا كان هناك عدة ولايات.

وإذا لم يتمكن الإمام أن يجعل لكل جهة والياً فإنه يولي القاضي ولاية عامة، فيقول: عليك أيها القاضي فصل الخصومات وعليك بعد ذلك التنفيذ، ألزم هذا بأن يدفع ما عنده حتى يأخذ الحق صاحبه ومستحقه، ولك أن تنظر في أموال القاصرين في هذه البلد من مجانين ويتامى وسفهاء وأموال غاب أهلها، فلا تترك هذه الأموال فيعبث بها السفهاء فتضيع وتفسد.

والذي يتولى النظر فيها القاضي، وله أن يوكل، فيقول: وكلت فلاناً على مال اليتيم الفلاني، وأنت على مال السفيه، وأنت على مال الغائب احفظ مال هذا الغائب كما تحفظ مالك، واتجر فيه كما تتجر في مالك؛ لأن القاضي قد يقول: أنا منشغل والأعمال كثيرة، فكيف أتولى هذا بنفسي؟! فيوكل من يراه كفؤاً يقوم مقامه ولو لم يأمره الإمام الذي هو الخليفة، لأجل ألا تضيع الأموال.

كذلك إذا كان في البلد أوقاف مثل عقارات أو نخيل، أو بهائم موقوفة كخيل أو نحوها، من الذي يتولى النظر فيها؟ القاضي، لكن إذا جعل هناك -كما في هذه المملكة- من يتولاها كوزارة الأوقاف أو نحوها فإنهم يتولونها ولا يلزم القاضي أن ينظر فيها؛ لأن الأوقاف قد يشرط أصحابها شروطاً، فيقولون مثلاً إذا كانت الأوقاف كتباً: لا تمنع ممن يستفيد، والوكيل عليها فلان، وبعده فلان، وبعده الصالح من الذرية، وهكذا أيضاً إذا كان الوقف عقاراً، أو شجراً، أو دواب، كل ذلك في حاجة إلى أن يتولاه من يقيمة ومن ينظر فيه.

(ويجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل وخاصاً في أحدهما أو خاصاً فيهما) : مثال عموم النظر في عموم العمل أن يقول الملك لإنسان: وليتك عموم النظر في عموم عملي، أي: ما تحت ولايتي، ولو اتسعت الولاية فله أن يقول: هذه المملكة الواسعة، وقد وليتك عموم النظر، فلك أن تفصل، ولك أن توظف، ولك أن توقف، ولك أن تنفذ، ولك أن تعمر، ولك أن تنقل، لك عموم النظر، فهذا الذي ولاه عموم النظر له أن يوظف من يراه صالحاً، وله أن يعزل من يريد عن قضاء، أو عن إمامة، أو عن خطابة، أو عن تدريس، أو عن وعظ ودعوة، أو ما أشبه ذلك من العمل في جميع المملكة، هذا عموم النظر في عموم العمل، فيقول: وليتك عموم النظر في منطقة الأحساء، فهذا الذي ولاه عموم النظر له في هذه المنطقة أن يوظف وأن يعزل، وأن يغير، وأن ينقل، وأن يعمر مساجد، ويعمر مدراس، فيعين فيها من يريد في هذه المنطقة وحدها، وكذلك له أن يغير بعض الأشياء التي تحتاج إلى تغيير، فإذا كان هناك أوقاف تعطلت فله أن يبيعها وينقلها إلى جهة أخرى، وله أن يقضي، وله أن ينقل، وله أن يعلم، وله أن يوكل من يعلم، يعني: عموم النظر في هذه المنطقة في خاص دون العمل.

وله أن يوليه عموم العمل في خاص منهما، بأن يقول: وليتك القضاء في جميع المملكة، هذا خاص في عمل عام، عرفنا أن العمل هو المملكة، وأن النظر هو جهة من جهاتها، فقال: وليتك جميع المملكة في النظر في القضاة، أو النظر في الأئمة، أو النظر في الخطباء، أو النظر في المعلمين، أو النظر في الدعاة، في خصوص النظر في عموم العمل، ففي هذه الحال يتصرف فيما حدد له، هذا معنى: خاص بأحدهما، ومثال الخاص مثلاً: إذا قال: لك النظر في القضاة في منطقة القصيم، فهذا خاص في خاص، أما عام في عام: لك النظر في المملكة كلها في جميع ما تأمر به، هذا عام في عام، أما إذا كان نظراً في عموم، فمثل ما ذكرنا، وهو: النظر في المملكة في جميع الأحوال، وأما نظر في خاص، أي: في منطقة، وأما خاص في عام، مثل أن يقول: لك النظر في هذه المنطقة في جميع ما تأمر به.

فالحاصل: أنه يجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل أو خاصاً في أحدهما أو فيهما.