للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المحرمات في النكاح بالمصاهرة]

ثم ذكر المصنف المحرمات بالمصاهرة، والقرابة بين الناس: إما قرابة نسب، وإما قرابة مناسبة، كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} [الفرقان:٥٤] ، فالمصاهرة القرابة من النكاح، فأم الزوجة تحريمها بالمصاهرة، وبنت الزوجة، تحريمها بالمصاهرة، وكذلك زوجة الابن، وزوجة الأب، تحريمهن بالمصاهرة، وهؤلاء يحرمن بمجرد ما يحصل عقد النكاح، ولو لم يدخل بها، فإذا عقدت على امرأة مجرد عقد ولم تدخل بها فقد حرمت عليك أمها وجدتها، وإن علت، وكذلك إذا عقد ابنك على امرأة ولو لم يدخل بها؛ حرمت عليك تلك المرأة التي عقد عليها ابنك ولو لم يدخل بها، فتصبح محرماً لك، وإذا عقد أبوك على امرأة؛ حرمت عليك تلك المرأة التي عقد عليها أبوك ولو لم يدخل بها، حتى ولو طلقها قبل الدخول بها، فزوجة الابن محرم بمجرد العقد، وزوجة الأب محرم بمجرد العقد، ومثله ابن الابن، فزوجة ابن ابنك أيضاً محرم لك، وزوجة ابن بنتك محرم لك، وابن بنتك حتى -على الصحيح- من الرضاع، فابنك من الرضاع زوجته محرم لك، وأبوك من الرضاع زوجته محرم لك.

قوله: (حلائل عمودي نسبه) ، فزوجة الجد محرم، ولو كان بعيداً، فالجد أبو الأم، أو الجد أبو الأب، وكذلك زوجة ابن الابن، وابن البنت وإن نزل كلهن محرمات، هذا معنى: حلائل عمودي نسبه.

ولماذا سميا عمودين؟

الجواب

لأن الفروع أغصان يعتمد بعضها على بعض، والأصول كأنها أعمدة يعتمد بعضها على بعض، فعمود النسب العليا: أبوك، وجدك، وجد أبيك، وجد جدك من الأب أو الأم.

وعمود النسب الفروع: ابنك، وابن ابنك، وابن ابن ابنك، وبنتك، وبنت ابنك، وبنت ابن ابنك، وبنت بنت ابنك، وهكذا؛ فحلائلهم تحرم بمجرد العقد، كما مثلنا.

قوله: (أمهات زوجته وإن علون) يعني: بمجرد العقد، فإذا عقد رجل على امرأة حرمت عليه أمها، وجدتها أم أمها، وجدتها أم أبيها، وإن علت، فهؤلاء هن أمهات الزوجات وإن علون، وهؤلاء يحرمن بمجرد العقد، حتى ولو طلق قبل الدخول.

والتي تحرم بالدخول ولا تحرم بالعقد هي الربيبة، لقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:٢٣] وهي بنت الزوجة، ولا تكون محرمة إلا إذا دخل بأمها، أما إذا عقد على امرأة ثم طلقها ولها بنت، حلت له البنت؛ لأنه لم يدخل بأمها، فمجرد العقد عليها لا يحرم بنتها؛ وإنما يحرم الأم ولا يحرم البنت، يقول السلف: أطلقوا ما أطلقه الله، فالله تعالى قال: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء:٢٣] ، وأطلق، ثم قال: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:٢٣] ، فاشترط في الربيبة الدخول بأمها.

وقول الله تعالى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:٢٣] استدل بها بعض العلماء على أن زوجة الابن من الرضاع، إذا طلقها حلت لأبيه من الرضاع؛ لأن الله قال: (الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) ، فيجعلون الابن من الرضاع لا يدخل في هذه الآية، والجمهور على أنه يدخل؛ وذلك لأن اللبن الذي ارتضع منه من الصلب ولو كان لبن المرأة، لكن أصله بسبب الزوج، فالحمل الذي حصل ودرت بسببه لبناً هو من الزوج، فهذا الولد ارتضع من اللبن الذي صار بسببه، والذي خلق من صلبه، هذا هو الصحيح، فعلى هذا يخرج بقوله: (مِنْ أَصْلابِكُمْ) المتبنى؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يأخذ أحدهم ولداً أجنبياً ويضمه ويقول: هذا ابني بالتبني، ويسمى دعيّاً، ويسمون أدعياء، فلذلك قال الله تعالى في سورة الأحزاب: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُل مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب:٤] ، (أدعياءكم) يعني: الذين تدعونهم أبناء وهم أجانب، وإنما ضممتموهم إليكم، فيكون قوله: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:٢٣] ليخرج الدعي، فإن زوجته أجنبية، ولأجل ذلك أحل الله زوجة زيد بن حارثة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان دعياً يدعونه ابن محمد، فقال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب:٤٠] ، فأباح الله زوجته زينب للنبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْد مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب:٣٧] لماذا؟ {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَج فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب:٣٧] أي: حتى لا يتحرج أحد أن يتزوج زوجة دعيه من بعده.

والربيبة اشترط الله فيها قوله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء:٢٣] ، ولكن أكثر العلماء على أن هذا الشرط أغلبي، وأن كونها ربيبة تعريف لها، وليس ذلك مطرداً، فالضابط أن نقول: بنت الزوجة حرام على زوجها، أي: بنتها من غيره حرام عليه، سواء كانت تلك البنت في حجره أو ليست في حجره، وسواءً كانت ولدت قبل أن يتزوجها أو بعدما تزوجها وطلقها، فبنتها محرم له، هذا هو قول الجمهور، والغالب أنه إذا تزوج الرجل امرأة ومعها بنات أنهن يتربين عنده، وينفق عليهن، فبناء على الأغلب قال تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء:٢٣] ، وليس ضرورياً أن يربيها، بل لو ربتها أمها قبل أن يتزوجها، ولما تزوجها أخذها أبوها، فتُعتبر ربيبة؛ لأنها بنت زوجته.

كذلك أيضاً لا يشترط أن تكون في حجره، بل لو تزوجها ولها بنت، فأخذ البنت أهلها، ولم تدخل في بيته إلا لزيارة فنعتبرها ربيبة له، وتحرم عليه، ويكون محرماً لها.

وكذلك بنات الزوجة بعد الزوج، إذا تزوجت امرأة، وجاءت منك بأولاد، وطلقتها، وتزوجها زيد وجاءت منه ببنات، فبناتها قبلك وبناتها بعدك حرام عليك، فالضابط أن بنت المرأة المدخول بها، سواء قبل الزوج أو بعده محارم له.

وبنت الربيبة حرام أيضاً، فهي تقول: أنت زوج جدتي أم أمي، وكذلك بنت ابنها، فهي تقول: أنت زوج جدتي أم أبي، فتكون محرماً لها، يعني: بنات زوجتك من غيرك، وبنات بنات زوجتك، وبنات أبناء زوجتك من غيرك، كلهن محرمات عليك وإن سفلن، هؤلاء المحرمات أبداً.

وقوله في أول الباب: (يحرم أبداً) يعني: محرمات مطلقاً.