قال المصنف رحمه الله تعالى:[فصل: ويلزم كلاً من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف، وألا يمطله بما يلزمه، ولا يتكره لبذله.
ويجب بعقد تسليم حرة يوطأ مثلها في بيت زوج إن طلبها ولم تكن شرطت دارها.
ومن استُمهل أمهل اليومين والثلاثة لا لعمل جهاز، وتسليم أمة ليلاً فقط.
ولزوج استمتاع بزوجة كل وقت ما لم يضرها، أو يشغلها عن فرض, والسفر بحرة ما لم تكن شرطت بلدها.
وله إجبارها على غسل حيض وجنابة ونجاسة، وأخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره.
ويلزمه الوطء في كل أربعة أشهر مرة إن قدر، ومبيت بطلب عند حرة ليلة من كل أربع، وأمة من كل سبع] .
هذا الفصل يتعلق بعشرة النساء، يذكر فيه الفقهاء باب عشرة النساء، والعشرة والمعاشرة هي: الصحبة التي تكون بين اثنين، وسُميت القبيلة عشيرة لوجود الصحبة بينهم، قال تعالى:{وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}[المجادلة:٢٢] فعشيرة الرجل هم أقاربه؛ لأنه يصحبهم، فبين الزوجين صحبة هي غالباً أتم من غيرها، وأطول مدة في الغالب، فلذلك لابد من حُسن العشرة، وأمر الله تعالى بذلك فقال تعالى:{لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء:١٩] أي: اصحبوهن صحبة حسنة بالمعروف، أي: بما هو معروف حُسنُه، ومعروف ملاءمتُه، فيلزم زوجين معاشرة كل منهما الآخر بالمعروف، وأن يتخلق بالأخلاق الفاضلة، وهي كذلك، فيلين جانبه، ويصفح عن الأخطاء والزلات، وكذلك يتخلق بالأخلاق الشريفة، ويبتعد عن الأخلاق السيئة، فيبتعد عما يثير الأحقاد والغضب، وما يسبب الغضب أو النفرة أو ما أشبه ذلك، وهكذا أيضاً يبتعد عن الأخلاق السيئة: عن الكذب، وخُلف الوعد، والمماطلة، والتقصير، وكذلك أيضاً عن أسباب الأذى التي تتأذى منها، فإذا كان كذلك فالأصل أنها تدوم الصحبة.
أما إذا اشتمل المجتمع الزوجي على شيء من الأذى فغالباً أن الصحبة لا تدوم، وإذا كان أحد الزوجين سيء الخلق، أو شرساً، أو كثير الظنون، أو حقوداً، أو غضوباً، أو شديد التأثر بأدنى شيء، فإن على الطرف الثاني أن يكون لين الجانب، ويكون سهل الكلام، بحيث إنه يتحمل ما يسمعه، فإذا غضب الزوج لشيء وسب فإن كانت الزوجة ذات خلق فإنها تعترف بالخطأ وتعتذر، وتطلب منه العفو والصفح عما حصل منها، وإن كان شيئاً طفيفاً، وكذلك أيضاً إذا أساء إليها بغيبة أو بتأخير في شيء طلبته أو ما أشبه ذلك، فعليها أن تعفو وتصفح، وهو إذا رأى منها حقداً أو شدة تأثر اعتذر عذراً لطيفاً، وتودد إليها، ووعدها وعد خير، فيكون ذلك سبباً في الصفح وفي الرضا وفي دوام الصحبة.
وكثيراً ما تحصل الفرقة بسبب سوء خلق أحدهما إذا كان الآخر لا يعتذر ولا يقبل الاعتذار، بل مجرد أدنى زلة أو خطأً أو ما أشبه ذلك يسب ويشتم، ثم يقابله الآخر بالسباب وبالعتاب الشديد الذي يثير الغضب.
أو هي كذلك تسيء الظن به وتتهمه بتهم كثيرة فتقول: أنت تذهب إلى كذا وتتركني، وأنت تجلس إلى فلان أو أنت وأنت، وهو يقول: أنت تكلمين كذا، ويتهمها بأنها تعاكس أو تغازل فيكون ذلك من الأسباب التي تُثير الأحقاد، والواجب هو حسن الظن، فيجب أن يحسن كل منهما الظن بالآخر، وأن يعفو ويتجاوز عما يقع من الخطأ، فهذا من العمل بقوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء:١٩] .