للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الإجارة]

ما حكم الإجارة؟ الإجارة عقدٌ لازم لا يجوز فسخه، لازم مثل عقد البيع، ولكن فيه خيار المجلس كما تقدم في البيع، فإذا تعاقد على أن يستأجر الدار بعشرة آلاف، واتفقا على ذلك، وسلمت الأجرة، ثم ندم أحدهما في المجلس فإنه يملك الفسخ، وله أن يقول: رد علي دراهمي، يمكن أن أحصل على أقل من هذا، أو يقول: خذ دراهمك ورد علي المفاتيح، يمكن أن أحصل على أجرة أحسن، أو أنا محتاج.

وهكذا خيار الشرط إذا اشترطاه يومين أو ثلاثة أيام، سواء اشترطه المؤجر أو المستأجر، ثم بدا لأحدهما فله أن يفسخ، ولكن إذا اشترطه مدة طويلة فلا يجوز إلا إذا كانت تنقضي قبل انقضاء مدة الإجارة، فلو كان البيت -مثلاً- فيه مستأجر، وتنقضي مدته بعد شهر، ثم استأجرته أنت، وقلت: لي الخيار هذا الشهر، وقال المالك: لي الخيار هذا الشهر، صح ذلك؛ فلكل منهما أن يفسخ في هذه المدة قبل أن يخرج المستأجر، وأما أن يكون البيت فارغاً، ويسلم مفاتحه، ويقول: لي الخيار شهراً فهذا لا يجوز، لماذا؟ لأنه يضيع على المالك مدة شهر كامل يذهب عليه بدون أجرة، ولو استأجره -مثلاً- ثلاثة أشهر وقال: لي الخيار التسعة الأشهر الباقية أو عشرة أشهر إلا قليل، فله ذلك، وسبب ذلك: أنها لا تنقص من المدة التي استأجرها؛ لأنها تنقضي مدة الشرط قبل أن تبدأ مدة الإجارة، فعرف بذلك أن الإجارة عقدٌ لازم، متى حصل الافتراق، ولم يكن هناك شرط؛ لم يتمكن أحدهما أن يفسخ، إلا إذا أذن له الآخر وأقاله.

فلو -مثلاً- سكنه المستأجر شهراً، ثم انتقل وتركه وكانت الإجارة سنة، لزمته أجرة الباقي أحد عشر شهراً، وإن لم يسكن فيها، ويطالبه المالك ويقول: العقد قد انتهى بيني وبينك، وهو سنةٌ بعشرة آلاف، فأعطني العشرة الآلاف، واصنع بالبيت ما تصنع، اسكنه أو اتركه مغلقاً أو أجّره أو أسكن فيه من تريد؛ فالبيت ملكك في هذه السنة.

وإن تغاضى صاحب الدار وأقاله، ورد عليه أجرة الباقي، فهو أفضل.

أما لو استأجره -مثلاً- بعشرة آلاف، ثم سكنه أحد عشر شهراً، ثم إن المالك استكرهه وأخرجه كرهاً، فإنه يطالبه بالأجرة كاملة، ولو ما بقي له إلا شهر، فيطالبه بالأجرة كاملة، ولا يستحق عليه شيئاً.

وإذا خرّجه المالك قبل تمام المدة فلا شيء للمالك ولو لم يبقَ إلا أقل المدة، وما ذاك إلا أنه ملك البيت هذه السنة؛ فليس له أن يخرجه قبل تمامها، ويقال كذلك في سائر الأعيان التي تؤجر، كخيمة -مثلاً- استأجرها شهراً، ولما بقي خمسة أيام جاء صاحبها وقلعها، فللمستأجر المطالبة بالأجرة كلها، ولا يقول: أعطني أجرة خمسة الأيام، بل له الأجرة كاملة؛ لأنه يضطر إلى أن يستأجر أخرى بقية هذه المدة.

وكذلك: لو استأجر -مثلاً- قدراً ليطبخ فيه مدة يوم، وفي نفس اليوم جاء صاحبه وانتزعه؛ فلا يستحق أجرة، وإذا استأجره يوماً واكتفى منه بثلاث ساعات ورده؛ فلصاحب القدر أن يطالب بالأجرة كاملة.