للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم قبول الهدية إذا قصد بها الرشوة]

ومن الهدايا التي لا تجوز، إذا كان ذلك المهدي يقصد مقصداً دنيوياً، فليس له أن يهدي، وليس للمهدى إليه أن يقبل، فإذا أهديت للطبيب لأجل أن يقدمك على المراجعين، فهذه هدية شبيهة بالغلول، وهدايا هؤلاء العمال غلول، أو أهديت لمدرس ليزيد في درجاتك، فهذه من جنسها، ولا يحق له أن يقبلها، أو أهديت للموظف ليقبل وظيفتك، وليقدمك في الوظيفة على من هو أحق منك، فإن هذه من الغلول أو من المحرم.

ومثله: ما ورد في هدية القاضي فإنها تسمى رشوة، فإذا أهدى أحد الخصمين للقاضي أو نفعه، وأراد بذلك أن يميل معه، وسماها هدية، ولو -مثلاً- ضيافة، بأن استضافه وأكرمه ويريد أن يميل معه، فإنها تسمى رشوة، وكذلك إذا كان يراجع كاتباً ويريد أن يقدمه على غيره، فإنه بذلك يكون قد أعطاه ما يشبه الرشوة، فليس للآخذ أن يأخذ، ولا للمعطي أن يعطي في هذه الحالات وأشباهها.

ويقع كثيراً التساهل في هذا، ويسأل كثيرون من أصحاب المنح هذا

السؤال

إني طلبت منحة أرض سكنية، وإذا أعطيت هذا المسئول أعطاني في مكان مرغوب، وإذا ما أعطيته دفعني وأبعدني؟ فالجواب أن نقول: هذه رشوة ولو سميتها هدية، فإنك بذلك تضر غيرك، والواجب عليه أن يسوي بين جميع الممنوحين ونحوهم، فلا يقدم هذا لأنه يعرفه، أو هذا لأنه صديقه، أو هذا لأنه من أسرته، أو هذا لأنه كبير القوم، أو هذا لأنه أهدى إليه أو ما أشبه ذلك.

وأما حديث: (هدايا العمال غلول) فهو مشهور، وإن كان هذا اللفظ في إسناده مقال، والأصل فيه قصة ابن اللتبية الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم على جمع الزكاة من البهائم، فجاء وقال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (هلَّا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً) المعنى: أنهم أهدوا له حتى يتسامح معهم، إذا كان عليهم -مثلاً- خمس شياه ثمينة، أهدوا له شاة وأعطوه خمساً هزيلة، وقبلها، فمثل هذا يعتبر رشوة، ولو سموها هدية؛ لأنهم يقصدون بذلك أن يخفف عنهم، وكذلك أصحاب الثمار، لا يجوز له أن يستضاف عندهم؛ لأنه قد يزيد في خرص من لم يضيفه أو لم يكرمه ويتغاضى عن الذي أكرمه، والذي زاد في إكرامه ينقص عليه من الزكاة، فلذلك لا يجوز له والحال هذه.

فأمر الهدايا والهبات فيه تساهل كثير، ويقع به ضرر على الفقراء الذين لا يجدون ما يهدون، حيث إن أولئك الذين هم أهل طمع وأهل مقاصد دنيوية؛ يقدمون من أهدى إليهم في القضايا وفي الكتابات وإخراج الصكوك، وكذلك في المنح وما أشبهها، وهذا لا يجوز، وإذا عرفنا هذا الحكم فلا يصح لأحد أن يقبل شيئاً من هذه الهدايا ونحوها.