ذكرنا أن الفصل الذي بعده يتعلق بالأطعمة، وبعض العلماء يذكرون الأطعمة مع المعاملات، أي: مع البيع والشراء والإجارة؛ لأنه فيها بيان ما هو مأكول وما ليس بمأكول، ولكن ذكروها ها هنا لأن أكثر ما ذكروه من المباحات هو الحيوانات التي تحتاج إلى ذبح، ولذلك ذكروا بعده الذكاة، وذكروا بعده الصيد، فكأنهم لما ذكروا القصاص والحدود قالوا: هذا ما يتعلق بالآدمي فكيف ما يتعلق بالحيوان؟! فقالوا: إن هناك ما يقتل من الحيوانات كالكلاب الضارية والسباع ونحوها، فإنها تقتل في الحرم والإحرام، ورد أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها فقال:(خمس من الفواسق تقتل في الحل والحرم: وذكر منها الكلب العقور) ، فعند ذلك قالوا: نحتاج إلى أن نعرف ما يقتل من هذا الحيوان، وما يؤكل، وما ليس بمأكول، فذكروا بعد ذلك الأطعمة، فكل طعام طاهر لا مضرة فيه حلال، وأصله الحل من النباتات والثمار والحيوانات وما أشبه ذلك، والأطعمة يأكل الإنسان منها ما يناسبه، وتأكل الحيوانات من يناسبها من النباتات، قال الله تعالى:{كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ}[طه:٥٤] يعني: من هذا النبات وقد يكون بعض النبات يناسب الإنسان أن يأكل منه كبعض أوراق الزرع أو ما أشبهه، وثمره الذي هو السنبل، وثمر النخل الذي هو التمر، وثمر العنب الذي هو الزبيب، وثمر التين والتوت، وثمر الرمان، وأشباه ذلك من الثمار التي هي من الطيبات، فطعام طاهر طيب مغذٍ ليس فيه مضرة مباح وحلال.
وأما إذا كان فيه مضرة ولو كان يأكله بعض الناس فإنه يكون حراماً، فهناك مثلاً ما يسمى بالحشيش، فإنه يأكله كثير من الناس، ولكنه محرم لأنه مضر، وهناك ما يصنع من عصير العنب حتى يسكر وهو الخمر، فهذا ولو شربه كثيرون لكنه حرام، ولو قالوا: إنه شراب طيب لكنه مضر بالعقل فيكون حراماً، وهناك -مثلاً- ما يسمى بالقات يأكله كثيرون، ولكنه مضر فيه مضرة، ولو كثر الذين يأكلونه فيكون حراما، ً ولا عبرة بمن يستحلونه فيدعون أنه مأكول وأن فيه وفيه، لا عبرة بهم، فإنهم كالبهائم التي تستحلي ما هو مر في ذوق الإنسان وتستجيز ما فيه مضرة.
والذين يشربون الدخان يعرفون بأنه مضر ويعترفون بذلك، ومع ذلك يستمرون فيه فلا عبرة بهم، والذين يشربون الخمر قد يعترفون بأنها حرام، ولكن مع ذلك يصرون على شربها، وكذلك الذين يأكلون الحشيش، وهو نوع من النباتات مضر، ظهر في حدود القرن السادس وانتشر الأكل منه، وأفتى العلماء بتحريمه، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الخمر بمنزلة الأبوال والحشيش بمنزلة العذرة، والعذرة: الغائط الذي يخرج من الإنسان، تنفيراً منه، ومع ذلك يكثر الذين يأكلونه، وكذلك الذين يستبيحون أكل هذا النبات الخبيث القات، وثمر آخر يقال له:(الجيرو) ، قد يكون أخف ضرراً من القات، ولكن لا منفعة فيه، قد يكون ثمنه رفيعاً، ونبات آخر رائحته قبيحة يسمونه:(البردقان) ، وليس هو البرتقال حيث هو من الطيبات، ولكن البردقان نبات رائحته خبيثة، وكذلك ما يسمى بالشمة التي يمضغونها، هؤلاء لا شك أنهم استحسنوا القبيح فلا عبرة بهم، ولو ادعوا أن هذا من الطيبات فإنه من الخبائث، فلا يغتر بكثرة من يتعاطى أو من يمدحه، وفيما يظهر أن الشيخ الحكمي رحمه الله أول من نظم منظومته لما سئل عن القات، فنظم فيه منظومة تائية في تحريمه وبيان آفاته، وذكر من مضاره أنه يضيع الصلاة، يقول في منظومته: إن جاءه الظهر فالوسطى يضيعها أو مغرب فعشاء قط لن يأتي وإن أتاها فمع سهو ووسوسة يعني: يأتيها وهو غير عاقل.
ورد عليه بعض علماء اليمن يقال له: ابن المهدي رداً ضعيفاً، ثم جاءه ذلك الرد فرد عليه أيضاً نظماً، في منظومة طويلة استفتحها بالتاء: الحمد لله في كل البريات وبدء كل شئوني واختتاماتي ثم الصلاة على ختم النبوات محمد من أتانا بالكرامات فما يدل على تمكنه رحمه الله.