للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الولي]

الشرط الثالث: الولي.

الولي هو: ولي المرأة الذي يتولى العقد لها، واشتراطه هو قول الجمهور، ووردت في اشتراطه الأحاديث الكثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) وهو حديث مشهور، رواه نحو خمسة من الصحابة أو أكثر، وورد أيضاً حديث: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها) ، وفي رواية: (فإن الزانية هي التي تزوج نفسها) وهذا هو قول الجمهور.

واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة:٢٣٢] فدل على أن الولي هو الذي يمنع المرأة؛ لأن العضل المنع، أي: لا تمنعوهن من نكاح أزواجهن، أي: من الزواج.

وذهب الأحناف إلى أنه يصح للمرأة أن تزوج نفسها، وعللوا ذلك بأنها أملك لنفسها، وإذا كانت تملك نفسها فإنها تزوج نفسها، وهي أيضاً تملك أمتها، فلها أن تزوج أمتها.

وأدلة الحنفية تعليلات، وقد استدلوا بظاهر قوله تعالى: {حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:٢٣٠] ولكن لا دلالة في الآية، إنما المراد: حتى يطأها الزوج.

فالحاصل: أن جمهور الأمة على أنه لابد من الولي في العقد، وأن من تزوجت بدون ولي فنكاحها باطل، ورد ذلك في حديث: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) ، وقد أخذ الحنفية من بعض هذه الكلمات: (الثيب أحق بنفسها من وليها) ، فجعلوا هذا دليلاً على أنها تزوج نفسها، ولكن ليس هذا بصحيح، وإنما المراد أنها أحق بنفسها، أي: لا يكرهها، ولا يزوجها إلا بعدما يأخذ رضاها.

وإذا عرفنا أن الولي شرط من شروط النكاح، فماذا يشترط في الولي؟ ذكر المصنف أنه يشترط فيه ستة شروط: الشرط الأول: التكليف.

الشرط الثاني: الذكورية.

الشرط الثالث: الحرية.

الشرط الرابع: الرشد.

الشرط الخامس: اتفاق الدين.

الشرط السادس: العدالة.

فهذه ستة شروط، ويمكن أن تكون سبعة، فإن التكليف يتضمن شرطين: الشرط الأول: البلوغ.

فلا يُزوج صغير دون البلوغ؛ وذلك لنقص معرفته؛ لأنه ناقص المعرفة بنفسه، فلا يكون عارفاً بغيره، أو بمن هو ولي عليه.

الشرط الثاني: العقل.

فناقص العقل أو المخبل أوالمجنون ليس أهلاً أن يزوج؛ وذلك لعدم أهليته، ولعدم تفكيره.

الشرط الثالث: الذكورة.

فلا تزوج المرأة المرأة، كما جاء في الحديث: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها) ، وفي الحديث الآخر: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل) .

الرابع: الحرية.

فالمملوك لا يزوج نفسه، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أيما عبد نكح بغير إذن مواليه فهو عاهر) أي: زاني، فإذا كان لا يقدر أن يزوّج نفسه، فكذا لا يزوّج بنته، ولو كانت حرة.

الخامس: الرشد.

الرشد هو: الصلاح، وضده السفه، فإذا كان سفيهاً مغفلاً لم يكن أهلاً أن يزوج، ورد في الحديث: (لا نكاح إلا بولي مرشد، وشاهدي عدل) ، فاشترط فيه: أن يكون مرشداً، يعني: رشيداً غير سفيه، ولا ضعيف التفكير.

الشرط السادس: اتفاق الدين.

فلا يزوج الكافر مسلمة؛ لأن الإسلام فرق بينهما، قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:١٤١] فلابد أن يكونا متفقي الدين.

الشرط السابع: العدالة.

أي: ولو ظاهراً، فيشترط أن يكون عدلاً، فيخرج ما إذا كان فاسقاً معلناً الفسوق، أما إذا كان ظاهره العدالة فإنه يُزوج، واستثنوا السلطان؛ لأنه -أي: السلطان- ولي من لا ولي له، واستثنوا السيد ولو كان فاسقاً؛ لأنه ولي مواليه.

ثم ترتيب الأولياء: يقدم الأب وجوباً؛ وذلك لأنه أولى بابنته، ثم وصيه، إذا مات وكان قد وصى أو وكَّل، فوصيه يقدم على غيره، ثم الجد لأب، ثم أبوه وإن علا، فهو أقدم من الإخوة، ثم الابن، يعني: ابن المرأة يزوجها، ثم ابن الابن وإن نزل يزوج جدته مثلاً، ثم بعد ذلك بقية العصبة على ترتيب الميراث: فيقدم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، ثم أبناءهما وإن نزلا، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب، على ترتيب الميراث كما تقدم، ثم إذا انقطع أصحاب العصبة فهل يزوج ذوو الأرحام كالخال، والأخ من الأم، وابن الأخت؟ والصحيح: أنهم لا يزوجون، والمولى أقرب منهم، فالمولى المعتق يزوج، فإذا عُدم فأقرب عصبته نسباً، ابنه، ثم أبوه، ثم إخوته على ترتيب الميراث، ثم مولاه، يعني: الذي أعتقه، ثم إذا انقرضوا فالسلطان، لحديث: (السلطان ولي من لا ولي له) ، فإذا عضل الأقرب أو لم يكن أهلاً، أو كان مسافراً فوق مسافة قصر زوج حرة أبعد، وأمة حاكم، والعضل مذكور في قوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة:٢٣٢] ، فإذا عضلها ومنعها حتى ولو كان أباها، فإنه يزوج من هو أبعد منه، إذا اشتكت واشتكى أقاربها أنه منعها وعضلها، كذلك إذا لم يكن أهلاً، فإذا كان سفيهاً أو فاسقاً أو مخبلاً زوج الأبعد، كذلك إذا كان غائباً مسافة لا تقطع إلا بمشقة زوج الأبعد، وفي هذه الأزمنة المسافات تقاربت، فليس هناك مكان بعيد، لكن إذا شق عليه الحضور أمكنه أن يوكل ولو هاتفياً.