قال المصنف رحمه الله:[الخامس: شركة المفاوضة، وهي أن يفوِّض كل إلى صاحبه كل تصرف مالي، ويشتركا في كل ما يثبت لهما وعليهما، فتصح إن لم يدخلا فيها كسباً نادراً] .
وكأن شركة المفاوضة تعم جميع الشركات المتقدمة، وصورتها: أن ينضم كل واحد إلى الآخر، فيقول: نحن شركاء في المال الذي بأيدينا، ونحن شركاء في الكسب الذي نكسبه بأبداننا، ونحن شركاء فيما نتدينه في ذممنا، ونحن شركاء فيما نحصل عليه من الكسب المباح مثل صيد أو ما أشبه ذلك، كل واحد منهما يفوض الآخر، فيقول: فوضتك بما يحصل وبما تجده، ويقول الآخر أيضاً: فوضتك.
فيفوض كل منهما إلى صاحبه كل تصرف، ويعم ذلك أيضاً التصرف الذي تدخله النيابة، ولكن لا يجوز أن يفوضه في كل شيء تحت تصرفه، فإنه لو قال ذلك لتسلط عليه، فقد يطلق زوجته، ويقول: إنك فوضتني! ويعتق عبده ويقول: إنك فوضتني! ويهب أمواله ويتصدق بها ويقول: إنك فوضتني! أنا مفوض من فلان.
إنما التفويض فيما هو معتاد أن يفوضه أحدهما إلى الآخر، فكأن هذه الشركة تعم جميع أنواع الشركات التي يمكن أن تدخل في اسم شركة.
فيفوض كل منهما إلى صاحبه كل تصرف مالي، ففي هذه الحال ينفذ تصرفه كوكيل، فيبيع من مال من فوضه، ويشتري له، ويضارب بماله، ويتاجر به، ويزارع به، ويَتَّجِرُ فيه بحسب العادة، فيكون شريكاً في كل ما يملك، ويكون مفوضاً في كل ما يملك.
قال:[يشتركا في كل ما يثبت لهما وعليهما] .
لو أهديت إلى أحدهما هدية صارا شريكين فيها، أو صاد أحدهما صيداً صارا شريكين فيه، أو ربح أحدهما في تجارة أو في بيع صارا شريكين فيها، وكذلك -أيضاً- إذا لزم أحدهما شيء فإنهما يدفعانه، فلو أتلف أو أحرق أحدهما ثوباً أو أفسده ضمناه جميعاً، وكذلك كل ما يتلفه أحدهما، ولو استدان أحدهما ديناً فإنهما جميعاً يقومان بقضائه، ولصاحب الدين أن يطالب من شاء منهما، لكن لا يدخلان فيها كسباً نادراً، فإذا أدخلا فيها كسباً نادراً فإنها لا تعتبر، والكسب النادر مثل لقطة، أو كنز، أو ميراث، فتفسد ويكون لكل واحد منهما ربح ماله وأجرة عمله، وذلك لأنه إذا وجد أحدهما لقطة وعرفها وصار لها قيمة وملكها فهذا مال زائد، وكذلك لو مات قريب أحدهما فورث منه مائة ألف أو نحوها، فهذا مال وكسب نادر، فلا يكونان شريكين فيه.
يقول:[وكلها جائزة، ولا ضمان فيها إلا بالتعدي أو التفريط] .
قد عرفنا الفرق بين العقود الجائزة واللازمة، فاللازمة هي التي يلزم الأخذ فيها ولا يتمكن أحد من الفسخ، أما الجائزة، فهي التي يجوز فسخها.