ثم إنه يقول:(من غصب كلباً يقتنى، أو خمر ذمي محترمة ردهما لا جلد ميتة) ؛ وذلك لأن الكلب المقتنى صاحبه أحق بمنفعته؛ لأن الله تعالى أضافه إلى أهله، لقوله تعالى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ}[المائدة:٤] ، فهذا الكلب الذي دربته وعلمته فتعلم وأصبح يصيد الصيد، فأنت أملك به، فإذا جاء إنسان واغتصبه قهراً بغير حق فنقول له: رده إلى صاحبه فهو أولى به، وأنت تعتبر غاصباً.
والخمر محرمة، وهي في أيدي اليهود محترمة، فلا يجوز أن تدخل بيوتهم وتشقق الظروف التي فيها الخمر.
واحترامها معناه: إقرارهم عليها، فإن من دينهم شرب الخمر، فيقرون إلا أنهم لا يظهرون بيعها في بلاد الإسلام، ولا يظهرون شربها ولا يخرجون وهم سكارى، ولكن نعرف أنهم يصنعونها في بيوتهم ويجتمعون فيشربونها، فلو دخل إنسان واغتصب زق خمر، ثم ذهب به، أمر بأن يرده؛ لأن هذا من الاعتداء على المعاهدين، والمعاهدون لهم احترام، وقد ورد في ذلك الوعيد:(من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة) ، المعاهدون وأهل الذمة لهم ذمة، ولهم عهد، فيرد الكلب، ويرد الخمر المحترمة، أما غير المحترمة فلا يردها.
وغير المحترمة: هي التي أظهرها صاحبها في الأسواق، فإنهم إذا أظهروها فلا حرمة لها، بل تتلف.
قوله:(لا جلد ميتة) قد عرف الخلاف في جلد الميتة هل يطهر بالدباغ أم لا، والراجح عندنا أنه يطهر، وإذا طهر فإنه يستعمل في اليابسات وفي الرطب وفي المائعات، وإذا كان كذلك؛ فالصحيح أنه مملوك، وأن الانتفاع به مباح، وأنه عين مالية تباع وتستبدل، فعلى هذا إذا كان مدبوغاً فإنه يرده، وكذلك إذا كان يصلح أن يدبغ.
قوله:(وإتلاف الثلاثة هدر) أي: الكلب والخمر والجلد، يعني: لا ضمان في إتلافها.
وقد عرفنا أن الراجح في الجلد أنه مضمون، أما إذا مات الكلب أو اهراق الخمر، فلا ضمان؛ لأنه لا قيمة لها.