للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان الأفضل للمريض والمسافر من الصوم والإفطار]

المريض الذي يشق عليه الصيام هل الأفضل له أن يفطر أم يصوم مع المشقة؟ الأفضل أن يفطر مع المشقة، وهذه رخصة، والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه، فإذا كان الصوم يتعبه فالفطر أفضل له، وكذلك المسافر الذي يقصر الصلاة، هل الأفضل له أن يفطر ويقضي أو الأفضل له أن يصوم؟ في ذلك تفصيل: إذا كانت عليه مشقة في الصيام في السفر بحيث إنه يسقط، ويحتاج إلى من يخدمه، ومن يفرش له الفراش، ومن يرشه، ومن يحمله؛ ففي هذه الحال الأفضل له الفطر، ولو صام وصبر على الكلفة أجزأه الصيام عن أيام رمضان، هذا قول الجمهور، يعني: أن الأفضل له الفطر مع المشقة الإفطار، وأنه لو تكلف وتجشم وصام فإن ذلك يجزئه، ويسقط عنه الفرض، واستدلوا بحديث أبي الدرداء قال: سافرنا في حر شديد حتى إن أحدنا ليجعل يده فوق رأسه من حر الشمس، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة، ففي هذا مشقة وصبر على الصوم.

وأما إذا لم تكن عليه مشقة، والصيام لا يكلفه ولا يعوقه عن حاجته، فيخدم نفسه ويصلح شئونه: يصلح طعامه ويفرش فراشه، ويصلح مركبه، ولا يحوجه إلى أحدٍ يخدمه؛ ففي هذه الحال الصوم أفضل، وإن أفطر جاز، فعن أنس قال: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، فكانوا يرون أن من به قوة وقدرة فإنه يصوم، وفي حديث جابر المشهور: أنهم كانوا في سفر، قال: (فمنا الصائم ومن المفطر، فنزلنا منزلاً، فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذهب المفطرون اليوم بالأجر) وذلك لأن الصوام سقطوا تحت الظل، ولم تكن عندهم قدرة على أن يخدموا أنفسهم، ولا أن يخدموا رفقتهم من شدة الجهد، ومن شدة الضمأ، ومن شدة التعب، فإذا كانوا بهذه الحال بحيث إنهم يسقطون إذا نزلوا منزلاً، ولا يستطيعون أن يخدموا أنفسهم، فالفطر والحال هذه أفضل، وعليه يحمل حديث أبي موسى وغيره: (أنه صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فرأى زحاماً، ورجلاً قد ظلل عليه فقال: ما هذا؟ قالوا: صائم، فقال: ليس من البر الصيام في السفر) فهذا محمول على ما إذا كان هذا الصائم محتاجاً إلى من يظلل عليه، وإلى من يخدمه، وإلى من يرشه، وإلى من يبل مكانه الذي ينزل فيه، ففي هذه الحالة: صيامه ليس من البر، فكونه يغني نفسه، ويخدم نفسه، أولى من كونه يصوم ويحتاج إلى من يخدمه، وفي حديث آخر: أن قوماً جاءوا من سفر، فأخذوا يمدحون صاحبهم فلان، وقالوا: ما كنا في نهار إلا وهو صائم، وما كان في ليل إلا وهو قائم، فقال صلى الله عليه وسلم: (ومن يصلح حاله؟ من يحمل رحله؟ ومن ينزل رحله؟ ومن يصلح طعامه؟ ومن يصلح فراشه؟ فقالوا: نحن الذين نخدمه، فقال: أنتم خير منه) وذلك لأنه يحتاج إلى من يخدمه؛ لأن الصيام أقعده وأتعبه، وحال بينه وبين أن يغني نفسه، فإذا كان كذلك فالصوم والحالة هذه ليس بفاضل بل مفضول.

والخلاصة: إذا كنت في سفر، وليس عليك مشقة، والصوم لا يعوقك عن خدمة نفسك، فالصوم أفضل، حتى توقع الصيام في زمانه الذي فرض فيه وهو أيام رمضان، وحتى لا يكلفك القضاء، فإن كثيراً من الذين يفطرون يصعب عليهم القضاء، فلا يقضون ما عليهم إلا قرب رمضان الثاني، ففي هذه الحالة: الصوم مع عدم المشقة أفضل، والفطر مع وجود المشقة أفضل، والصوم مع وجود المشقة جائز، والفطر مع عدم المشقة جائز ولكنه مفضول.