من عادات أهل الجاهلية ألفاظ يتكلمون بها، يعبرون بها عن تحريم الزوجة أو تحريم الأمة أو ما أشبه ذلك، ولما جاء الإسلام نهى عن تلك الألفاظ وتلك الكلمات الجاهلية، ومن ذلك الظهار، والظهار مشتق من الظهر؛ لأن الأصل فيه تشبيه الزوجة بظهر الأم، وذلك لأن الظهر في الدابة هو الذي يركب، فشبه ركوب الزوجة بركوب الدابة في ظهرها، وشبهها بظهر الأم.
وقد كان أهل الجاهلية يحرمون نكاح المحارم التي جاء الشرع بتحريمهن كنكاح الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت، لكنهم كانوا يبيحون نكاح زوجة الأب، فإذا مات الأب ينكحها أحد أبنائه من غيرها، وكذلك كانوا يبيحون الجمع بين الأختين، ويبيحون أكثر من أربع، فقد يجمع الرجل بين خمس وعشر وثمان ونحو ذلك، فلما جاء الإسلام قصرهم بالنكاح على أربع، وحرم المحرمات التي يحرم نكاحهن إما لرضاع أو لقرابة أو لمصاهرة، وأبطل تلك العادات الجاهلية، والتي منها مسألة الظهار.
أنزل الله تعالى في حكم الظهار أول سورة المجادلة.
وسبب نزولها أن صحابياً -اسمه أوس بن الصامت - غضب على امرأة له يقال لها: خولة، ويصغرون اسمها فيقولون خويلة، فلما غضب عليها قال: أنت علي كظهر أمي.
وكان لها أولاد منه، ويشق عليها أن تفارق أولادها، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله، وتظهر الشكاية إلى الله، وتقول: إني تزوجته ونثرت له ما في بطني، ولي منه صبية صغار، إن ضممتهم إلي جاعوا، وإن تركتهم عنده ضاعوا، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بينه وبينها:(ما أظنكِ إلا قد حرمتِ عليه) ؛ وذلك لأن الظهار في الجاهلية فراق وتحريم؛ لأنه شبهها بمن هي محرمة عليه إلى الأبد، وهي الأم، فكان في ذلك تحريماً ظاهراً.
فأخذت تردد وتقول: إلى الله المشتكى، أشكوا إلى الله ضعفي، وكأنها تسأل الله تعالى أن ينزل فيها ما يكون سبباً لرجوعها إلى زوجها، ويجعل لها فرجاً ومخرجاً، فبينما هي جالسة عنده نزلت سورة المجادلة، تقول عائشة رضي الله عنها: سبحان من وسع سمعه الأصوات! لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله، وإني لفي جانب الحجرة، ويخفى عليَّ بعض كلامها، قال الله تعالى:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}[المجادلة:١] ، فهذا خبر من الله تعالى أنه سمع شكواها وسمع تحاورها مع النبي صلى الله عليه وسلم.