[القود في الأطراف]
القصاص فيما دون النفس نوعان: أحدهما الأطراف، والثاني: الجراح.
فالأطراف فيها القصاص، قال الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة:٤٥] ، فهذه فيها قصاص، وتسمى الأطراف، فمن قطع إصبعاً وكان القاطع فيه إصبع تماثلها وطلب المقطوع القصاص فإنه يقتص له، وكذلك من قطع الكف، وكذلك من قطع اليد من الذارع أو من العضد، وكذلك من قطع من الرجل إصبعاً قطعت إصبعه، ومن قطع القدم كلها قطعت قدمه إذا طلب المجني عليه ذلك، وكذلك من قطعها من الركبة قطعت رجله من الركبة إذا طلب الجاني ذلك، أو قطعها من الفخذ فكذلك أيضاً، وهكذا إذا فقأ عيناً صحيحة فقئت عينه التي تماثلها، أما إذا لم تكن مماثلة لها فلا، وكذلك لو جدع أنفه فله أن يطلب القصاص في الأنف، وكذلك الأذن إذا استوعبت قطعاً، وكذلك إذا كسر السن أو قلعه فإن القصاص فيه؛ وأشباه ذلك من أجزاء البدن، فمن قطع شفة قطعت مماثلتها، وكذلك من قطع جفناً أو قطع حاجباً قطع منه ما يماثله، وهكذا أيضاً من قطع عضواً مماثلاً، كمن قطع ذكراً، أو قطع الأنثيين -الخصيتين-، أو قطع الإلية أو نحو ذلك، فكل هذه فيها القصاص.
وتشترط المماثلة، فلا يؤخذ إصبع اليمنى بإصبع اليسرى لو كان المجني عليه قطعت إصبعه اليسرى، وكذلك أيضاً لا يؤخذ الإبهام بالسبابة، فلا يقول: هو قطع سبابتي وأنا لا أرضى إلا أن أقطع إبهامه.
فهذا ليس بمماثلة، وليس قصاصاً، فالقصاص لابد فيه من المماثلة، فهذا شرط المماثلة.
ولو كان الجاني أعور العين، كأن كانت عينه اليمنى غائرة، ثم جنى على إنسان ففقأ عينه اليمنى، فهل على المجني عليه أن يقول: آخذ عينه اليسرى؟ ليس له ذلك لعدم المماثلة، وهاهنا يرجع إلى الدية، وكذلك لو كان الجاني مقطوع اليد اليمنى، قد قطعت يده اليمنى من قديم، واعتدى عليك وقطع يدك اليمنى، فهل تقول: أقطع يده اليسرى؟ فليس له إلا يد واحدة، فلا تقل آخذ اليد باليد.
ليس لك ذلك، ولكن هاهنا تعدل إلى الدية لعدم المماثلة، فلابد من المماثلة، وكذلك لو قطع شفته العليا فقال: أقطع شفته السفلى لأنها أقوى منفعة.
ليس له ذلك، وهكذا لو قطع رجله اليسرى فقال: أقطع رجله اليمنى.
ليس له ذلك، بل لابد من المماثلة.
وكذلك أيضاً الأمن من الحيف، والحيف هو الجور، فإذا قطع اليد من نصف الذراع ففي هذه الحال لا يمكن القصاص، ولكن يمكن قطعها من المفصل، لأنا إذا مكناه من قطع نصف الذراع فقد يكسر الذارع كله، وقد يأخذ زيادة على ما أخذ منه، فيكون بذلك حيف، فلابد من أمن الحيف -الذي هو الجور- حتى لا يأخذ زائداً عما يستحقه.
ومن الحيف أيضاً الخوف من التسمم، فإذا قال -مثلاً-: إذا قطعت يد الجاني -مثلاً- أو رجله في الشتاء خيف أن يتسمم، وأن الجرح يتآكل وتحصل الوفاة.
ففي هذه الحال ينتظر إلى أن يؤمن عليه من الحيف أو من التعدي أو نحو ذلك.
وهناك شروط أخرى، مثل الاستواء في الصحة والكمال، فإذا قال: أنا ما فقأت إلا عيناً فيها بياض، وعيني سليمة ليس فيها بياض.
أو: عينه التي فقئت ناقصة البصر لا يبصر بها إلى قليلاً، فكيف تفقئون عيني التي هي عين سليمة؟ في هذه الحال يعدل إلى الدية، وذلك لعدم المساواة، وكذلك أيضاً لو أن إنساناً صحيح اليدين قطع يد إنسان مشلولة، أو فيها عيب، ناقصة الأصابع أو مختلة أو نحو ذلك، فهذا المجني عليه يقول: أريد أن أقطع يده.
يقال: يدك ناقصة منفعتها، وأما يده فإنها كاملة، فكيف تأخذ يداً كاملة ليد ناقصة فيها عيب؟! لابد من الاستواء في الصحة وفي الكمال.