الأول: نكاح الشغار، صورته: أن يقول لك: أزوج ابنك ابنتي، بشرط: أن تزوج ابني ابنتك، أو زوجني بنتك، بشرط: أن أزوجك ابنتي، أو لا أزوج ابنك إلا إذا زوجت ابني، فهذا هو نكاح الشغار.
واختُلف في سبب تسميته، فقيل: كلمة (الشغار) مشتقة من الشغر الذي هو الفراغ، يقال: شغر البيت، يعني: خلي ولم يكن فيه ساكن، ومحل شاغر، ومركز شاغر، أي: خالٍ، فقيل: إنه سمي من الفراغ؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يخلونه من المهر، فيقول أحدهم: زوجني بنتك وأزوجك ابنتي، ولا صداق، وتكون هذه عوض هذه، يعني: بضع هذه هو مهر الثانية، وبضع هذه هو مهر الأولى، فلا يكون بينهما شيء من المهر، هذا تفسير للشغار.
وروي في حديث ابن عمر أنه فسر الشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، ولا صداق بينهما.
ورجح بعض المحققين أن تفسيره من كلام ابن عمر، وقيل: إنه من كلام نافع، فعلى هذا هل يكون حجة؟ وهل يستدل به على أن الشغار هو الذي لا يكون فيه مهر؟ ذهب إلى ذلك بعض العلماء كالأحناف، فقالوا: الشغار صحيح، ولكن يفرض لكل منهما، فإذا تم العقد فإننا نقول: يا هذا! أعط زوجتك مهراً، وأنت أيضاً أعط زوجتك مهراً، أي: مهر أمثالها، ويبقى النكاح على حاله صحيحاً.
والقول الثاني: أنه باطل ولو سُمي لها صداقاً، ولو أعطيت صداقاً بعد العقد أو قبله، وقالوا: إنه ورد في الحديث تفسيره أن يقول: زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي، زوجني أختك بشرط أن أزوجك أختي، أو نحو ذلك، ويكون العلة فيه هو الاشتراط: لا أزوجك إلا إذا زوجتني، أو لا أزوج ابنك إلا بشرط أن تزوج ابني، فيكون هذا مفسداً له؛ لأنه لابد غالباً أن يحصل إكراه لإحدى الزوجتين، فإنه قد يكره ابنته لمصلحته، ويلجؤها على أن توافق؛ لأن له مصلحة بأنه سوف يتزوج، فيقول: يا ابنتي! اقبلي حتى يزوجوني، أو حتى يزوجوا ابني، فيكرهها، فيكون فيه غالباً إكراه إحدى الزوجتين، أو إكراه كلتيهما، والإكراه لا يجوز، وقد تقدم أنه لا يجوز تزويج البكر إلا بإذنها، ولا الثيب إلا بأمرها، كما في الحديث:(والبكر يستأذنها أبوها) ، فإذا كان هناك عدم رضا فلن تصلح الحال، ولن تستقيم الأمور، فلذلك حرم هذا النكاح، كما يقع في كثير من القرى ومن البوادي، يقع عندهم هذا، ثم تحصل مفسدة، وهو أن أحدهما إذا نشزت امرأته وذهبت إلى أهلها، وابنته صالحة مع زوجها، جاء إلى ابنته وأخذها قهراً، وقال: انشزي يا بنتي! كما نشزت ابنتهم، أو آخذ ابنتي قهراً ولو كانت موافقةً لزوجها، ولو كان بينهما أولاد، ولو كانت تحبه ويحبها، فيصر على أن يأخذها قهراً، ويكون في ذلك مفسدة.
هذه هي العلة في تحريم الشغار.
أما إذا لم يكن هناك شرط، وكان هناك رضاً من الطرفين، ودفع لكل واحدة منهما ما تستحقه، ففي هذه الحال يظهر أنه لا بأس به، فإذا قال: أهلاً وسهلاً، أنا سوف أزوجك أو أزوج ابنك، وابنتي موافقة، فأعطها مهرها الذي تستحق، فقال: مهرها كذا وكذا، وعندي أيضاً ابنة إذا تريدها فإنها توافق عليك أو على ابنك، ولم يكرهها، ولا ألزمها، فهي راضية، ولكن لابد أن تدفع لها مهرها، وكل واحد منهم يقول: أنا سوف أزوجك سواء زوجتني أم لا، وإذا زوجتني فإني سوف أعطي ابنتك حقها، فمثل هذا لا بأس إذا حصل التراضي.