والحاصل: أن مسألة الرق من محاسن الإسلام، فالدول الأخرى إذا استولوا على النساء وعلى الأطفال وعلى الرجال.
حصدوهم حصداً، فقتلوا الأطفال وقتلوا النساء ونحوهم، ولا شك أن إبقاءهم مماليك أفضل من قتلهم، وكذا من إيداعهم في السجون، وإطالة سجنهم، فإنهم إذا كانوا مماليك ينفعون غيرهم ويخدمون أهلهم، فينتفعون بالحياة، ويريحهم السيد من كد التعب والكسب، ويقوم بكفايتهم ويعطيهم ما يحتاجون إليه، فأيهما أفضل: ذلك أم قتلهم كما تفعله الدول الكافرة؟! يعيبوننا ويقولون: كيف تستحلون ملكية الإنسان، وتجعلونه كسلعة؟ ولا يفكرون في حالتهم هم، حيث إنهم يقتلون الأطفال، ويقتلون الرجال، ويودعونهم السجون مدة طويلة، فأيما أفضل لهؤلاء المستولى عليهم؟ لا شك أن كونهم يبقون أحياء ينفعون أنفسهم وينتفعون، وقد يتعرضون لأن يكونوا عتقاء يعتقهم من استولى عليهم، ذلك بلا شك خير.
ثم في القرن الماضي في أول القرن الرابع عشر وفي آخر القرن الثالث عشر، كان هناك أناس يسرقون بعض الأطفال ويبيعونهم على أنهم مماليك، فيأتون إلى بعض البلاد التي فيها شيء من الجوع ونحوه، مثل السودان أو الحبشة وتلك البلاد، ثم يستدعون بعض الأولاد الذين في سن العاشرة والحادية عشرة، ويختطفونه فيطعمونه ويكسونه ويقولون: اذهب معنا ونحن نطعمك ونعطيك ونحو ذلك.
فيذهب معهم يعتقد أنهم سوف يحسنون إليه، ويأتون إلى هذه البلاد ويبيعونه على أنه مملوك، وكثر بيع هؤلاء الذين ليسوا مماليك، وإنما هم أحرار، فلما كثر بيعهم وقلّ أو انقطع الجهاد من عشرات السنين، رأت الحكومة في هذه البلاد أن أكثر هؤلاء المماليك ليست ملكيتهم صحيحة، وأنهم مظلومون، وأنهم قد بيعوا وهم أحرار، فرأت الحكومة تحريرهم، ففي سنة ست وثمانين صدر الأمر بتحرير كل الرقاب الموجودين في المملكة، وتعويض أهاليهم عنهم، ولو كان عند أحدهم عشرة أو عشرون دفعت الحكومة قيمهم وتحرروا، ولم يبق في هذه البلاد أرقاء.
ولكن إذا حصل قتال مع الكفار ثم حصل الاستيلاء على سبيهم، فإن الرق يعود، وهذا هو الأصل؛ لأن أصله الاستيلاء على سبي المشركين أطفالهم ونسائهم ونحو ذلك، فإذا قوتل مثلاً اليهود واستولي على سبيهم فلا شك أنهم يكونون أرقاء، وكذلك إذا استولي على سبي بعض المشركين والكفار، فلو أن المجاهدين في الأفغان أو في الشيشان يستولون على سبي من سبي الكفار الذين هم شيوعيون كفرة، فإنهم يسترقون، ولكنهم لم يتجرءوا على السبي، لأجل ذلك من استولوا عليه قتلوه، مع أنه قد ورد النهي عن قتل النساء والصبيان في الحرب؛ وذلك لأنهن لا يقاتلن، وكما ذكر أن في غزوة وجدوا امرأة مقتولة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما كانت هذه لتقاتل) .
لهذا إذا استولى المسلمون في حرب من الحروب الإسلامية التي هي ضد الكفار على سبيهم من نساء وأطفال، فإنه لا يجوز قتل النساء والأطفال، بل إما أن يمنوا عليهم، وإما أن يسترقوهم، وإما أن يفادوا بهم:{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}[محمد:٤] .
ذكر أيضاً أنه يكره عتق من لا قوة له ولا كسب؛ لأن الأرفق به أن يبقى عند سيده، ينفق عليه، فإذا كان هناك مملوك كبير السن، إذا أعتقه فمن الذين ينفق عليه، لكبر سنه وعجزه، إذ لا قوة له، وليس له قدرة على الكسب؟ فبقاؤه في رق سيده ينفق عليه ويقوم بكفايته أولى به من العتق وأفضل، مع أن العتق فيه هذا الأجر الكبير.