قال:(ومن شك في رضاع أو شك في عدده بنى على اليقين) : لأن الأصل الإباحة، والأصل عدم الرضاعة، وصورة ذلك: إذا قالت المرأة: أنا في شك هل أرضعت هذا الطفل أو ما أرضعته.
وتوقفت عن الجزم، ففي هذه الحال لا محرمية، فلا يقال بشيء مشكوك فيه.
وإذا ادعت فقالت: نعم، أنا أرضعته، ولكني نسيت مع طول الزمان، فلا أدري أرضعته رضعة أو رضعتين أو ثلاث رضعات أو عشر رضعات، أتذكر أنني أرضعته، ولكني أشك في عدد الرضعات.
ولم يكن هناك علامات ولا قرائن يعرف بها عدد الرضعات، ففي هذه الحال لا محرمية.
ثم يفرقون بين رضاع الصغير والكبير، والعادة أن الصغير الذي في الأربعين أو في الشهرين الأولين رضاعه قليل، ونفسه قصير، ففي المجلس الواحد يمكن أن ترضعه خمس مرات أو أكثر، فإذا قالت: نعم، أنا أرضعته جلسة أو جلستين، استغرق ساعة أو ساعتين وهو في الشهر الأول، كلما بكى أرضعته؛ ففي هذه الحال يغلب على الظن أنه محرم، فنحتاط ونقول: محرم؛ لأن الطفل يرضع عدة رضعات في الجلسة الواحدة إذا كان في الشهر الأول أو نحوه.
وأما إذا كان في السنة الأولى كأن يكون ابن خمسة أشهر أو أكبر منها فالعادة أنه يطيل الامتصاص، وإذا أمسك الثدي فإنه لا يتركه حتى يشبع أو حتى يفرغ ما في الثدي من اللبن، فإذا قالت: أنا أرضعته جلستين وعمره ستة أشهر.
فالأصل أنها رضعتان لا أكثر، ويمكن أنها أربع رضعات، كل جلسة ترضعه من هذا الثدي، وإذا انتهى ما فيه نقلته إلى الثاني، فتكون أربع رضعات في الجلستين، والأربع أيضاً لا تحرم.
وكذلك كثير من النساء تقول: إني أرضعه ولكن لمناسبات، ويحصل هذا عند أهل البوادي، تقول: إن أمه تذهب لرعي الغنم أو لحلب غنمها ونحو ذلك، وتتركه يبكي وأرق عليه، فألقمه ثديي، وإذا ألقمته ارتضع منه إلى أن يسكت أو إلى أن ينام، أو حتى ترجع أمه عدة مرات، ففي هذه الحال يغلب على الظن أنه محرم؛ وذلك لأن عادة الطفل أنه إذا بكى إنما يسكت إذا التقم الثدي، فيحكم بالرضاع إذا كانت ترضعه كلما ذهبت أمه أو نحو ذلك، فيحمل قولها على أنها قد أرضعته، ويحكم بأنها أمه من الرضاع.
وإذا لم يكن فيها لبن، إنما يمسك الثدي لأجل أن يسكت وهي كبيرة في عمر ستين أو سبعين سنة، فمعلوم أنه لا يؤثر إمساكه، فهو كما يمسك المصاصة، وإنما تمسكه حتى يمتص لأجل أن يسكت، فيمتص منه فلا يؤثر، لكن وجد أن كثيراً من كبار السن درت وهي بنت ثمانين على طفل، وهذا وقع كثيراً؛ فمثلاً: ماتت أم هذا الطفل وهو في الشهر الأول، ولم يكن هناك من يرضعه، لا عمة ولا خالة ولا غير ذلك، وكان هناك جدة أبيه أو نحو ذلك، فمن رقتها به وشفقتها عليه تدر عليه بإذن الله من آثار الرقة، ففي هذه الحال يحرم لبنها؛ لأنه اعتبر زاده.
وأما إذا كانت بكراً فإنه لا يحرم، يعني: لو أن شابة ما تزوجت، وعمرها في العشرين أو نحوه فدرت على طفل، فهل يحرم؟ لا يحرم؛ لأن هذا اللبن لم يتولد من حمل، وليس لها زوج، فالغالب أنه ليس لبناً صريحاً، وأنه لا يحصل به التغذية، فلا يكون محرماً.