ذكر ابن القيم أن القاتل تتعلق به ثلاثة حقوق: حق لله؛ لأن القاتل تعدى حرمات الله، وهذا الحق يسقط بالتوبة الصادقة.
الثاني: حق للأولياء؛ لأن القاتل قتل أباهم أو قتل ابنهم أو قتل موليهم، وهذا الحق يسقط بالعفو، أو يسقط بالقصاص، أو يسقط بأخذ الدية.
الحق الثالث: هو حق المقتول الذي قطع عليه حياته، يعني: أماته واعتدى عليه، فله حق على ذلك القاتل، فإذا كان القاتل قد تاب توبة نصوحاً فإن الله تعالى يتحمل حقه ويعطيه من فضله ويعفو عن ذلك القاتل.
وقد استدل أيضاً بقول الله تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ}[الزمر:٥٣-٥٤] ، فأمرهم بأن ينيبوا، أي: يتوبون ولو كانت ذنوبهم كثيرة، وأخبر بأنه يغفر الذنوب جميعاً، يعني: لمن تاب.
وإذا كان كذلك فكيف الجواب عن آية النساء التي أخبر تعالى فيها بأن من يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جنهم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً؟! قال بعض العلماء: هذا في حق المستحل الذي يقتل مستحلاً ويعتقد أنه حلال؛ فإن من استحل ما حرم الله فقد كفر، إذا استحل شيئاً قد حرمه الله معلوم تحريمه بالضرورة فإنه يعتبر ضالاً أو كافراً، كذلك أيضاً قال بعضهم: إن هذا الوعيد معلق، يعني: كأن الجزاء ليس دائماً.
يقول ابن جرير: المختار أن قوله: (فجزاؤه) معلق بشرط.
يعني: إن جازاه.
فجزاؤه جهنم إن جازاه، وإلا فإن الله تعالى قد يعفو ويصفح، ولا يجازيه بهذا الجزاء الكبير، سيما إذا ندم وتاب، وقالوا: إنه يمدح بالعفو عن الذنب ونحوه، ولا يمدح بترك الخير، يقول الشاعر العربي: وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي فالوعد: هو الوعد بالخير.
والإيعاد: هو التوعد بالشر.
يقول: إذا توعدته أخلفت وعيدي، وإذا وعدته فلا أخلف وعدي.
وعلى كل حال فإن هذا دليل على عظم الذنب الذي هو إراقة دم مسلم بغير حق، أما إذا كان بحق فإنه جائز؛ لأن في القرآن:{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}[الأنعام:١٥١] .