يقول:(ويستحلف في كل حق آدمي سوى نكاح ورجعة ونسب ونحوها) : حقوق الآدميين إما أن تكون مالاً مثل ثمن مبيع يقول: عنده لي قيمة سيارة أو قيمة بعير وجحده، أو مثلاً عنده لي وديعة قد خان فيها أو ما أشبه ذلك من حقوق الآدميين، أو تدعي المرأة على زوجها أنه ما أعطاها صداقها، أو يدعي عليها أنها ما أعطته عوض الخلع، أو تدعي عليه أنه ما أنفق عليها مدة كذا وكذا.
فهذه من حقوق الآدميين، ومنها القذف، فإذا ادعى عليك أنك قذفته فهذا حق آدمي، فلك أن تحلف أنه كاذب عليك، وإذا لم تحلف حلف هو أنه صادق، وأشباه ذلك من حقوق الآدميين.
أما النكاح فلا يستحلف فيه، فإذا ادعى عليك أنك زوجته ابنتك فلا يقبل حلفه، ولا يلزمك اليمين إذا أنكرت، فإن لم يكن عنده شهود على النكاح فلا يحلف المدعي ولا المدعى عليه، وكذلك الرجعة، إذا ادعى أنه طلق امرأته ثم قال: إني راجعتها، هل نقول: احلف؟ لا نقول، ولكن نقول: ائت بشاهدين أنك راجعتها في العدة.
وكذلك النسب: إذا ادعى وقال: إنني وارثه لأني ابن عمه، هل نحلفه؟ لا نحلفه؛ وذلك لأنه لا يعلم إلا من قبله.
أما حقوق الله تعالى فلا يحلف فيها، وكذلك العبادات، فإذا اتهم بالزنا وثبت عليه الحد فأنكر، ولم يكن هناك بينة فلا نقول: احلف أنك ما زنيت، أو ما شربت الخمر أو نحو ذلك، وهكذا العبادات إذا ادعي عليه أنه ما زكى، أو أنه ما صلى صلاة كذا، فلا حاجة إلى التحليف؛ لأن هذا شيء خفي بينه وبين الله تعالى.
وكيفية اليمين التي يحلف بها المدعى عليه هي اليمين المشروعة، أن يحلف بالله وحده، أو بصفة من صفاته، كوجه الله، أو عزة الله، أو يحلف مثلاً بكلام الله، أو بالقرآن.
ويحكم بالبينة بعد التحليف، إذا حلف المدعى عليه حكم بيمينه وقيل للمدعي: لا شيء لك أيها المدعي؛ لأنك ما أتيت ببينة، فإذا أتى بالبينة وقال: هؤلاء شهودي ولم يكن هناك ما يقدح فيهم، حكم بموجب البينة التي هي الشهود، وإن كان المدعي عليه قد حلف.
ولو قدر أن المدعى عليه حلف، والمدعي يقول: ما عندي شهود، ولكن أريد يمينه، فحلف المدعى عليه أن ما عندي له شيء، ولا يطالبني، ولا اشتريت منه، ولا عندي له أمانة ولا وديعة، ولا ضربته، ولا ضربت ولده.
وقدر بعد ذلك أنه وجد بينة عادلة، وأحضرها عند القاضي فلا نقول: الدعوى قد انقضت لما حلف بل نحكم بالبينة التي وجدت بعد أن انتهت الدعوى، ونقول: تبين أن يمينك كاذبة، وعليك أن تستغفر الله عن ذلك الحلف الفاجر، وهي اليمين الغموس، وقد حكمنا عليك لما جاء بالبينة الذين هم شهود عدول، فيحكم بالبينة ولو بعد أن يحلف المدعى عليه.