الجزية: هي ضريبة تؤخذ من أهل الذمة سنوياً، وكانت تؤخذ منهم على قدر اليسار، فكانت تؤخذ من النصارى الذين في اليمن في نجران وفي الحبشة اثنا عشر ديناراً سنوياً، وأما من أهل الشام ومصر والعراق فإنها كانت أربعة وعشرين ديناراً؛ لأنهم أيسر، ومن أجل كثرة المال والقدرة على الدفع، وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم في حياته من يقبضها من البحرين، فأرسل أبا عبيدة وأبا هريرة، وجبيت منهم أموال كثيرة، وقسمها النبي عليه الصلاة والسلام في حياته، وأعطى منها المستحقين، ولم يدخر لنفسه منها شيئاً، وكذلك جُبيت بعده ممن التزم بالجزية من المجوس ونحوهم.
وتؤخذ منهم ممتهنين صاغرين، يقول الله تعالى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة:٢٩] فلابد أن يعطيها عن يد، فلا يرسل بها خادمه ولا ولده، بل يأتي بها وهو صاغر، ثم يقف، ويطال وقوفه حتى يشعر بالصغار والذل والهوان، وقوله:(عن يد) أي: لا عن يد غيره، فلا يوكل من يدفعها، (وهم صاغرون) الصغار: هو الذل والهوان، فلابد أن يشعروا أنهم أذلاء، وأنهم مهانون، ولا تؤخذ الجزية إلا ممن عنده قدرة على دفعها، فالصبي لا تضرب عليه؛ وذلك لأنه لا يملك، وكذلك العبد المملوك ليس له ملك حتى يدفع منه، وكذلك المرأة فهي تابعة لزوجها أو لأبيها، وهكذا الفقير العاجز، وهكذا الراهب الذي ينفرد في صومعته للتعبد، فإنه غالباً لا يملك شيئاً، فمثل هؤلاء تسقط عنهم، وكذلك من يشبههم مثل الأعمى والزمن والشيخ الكبير.
وأما الرهبان الذين يخالطون الناس، ويتخذون مساجد ومزارع فحكمهم كسائر النصارى، تؤخذ منهم الجزية، فتؤخذ من الرهبان، وتؤخذ من الأحبار الذين هم علماؤهم، وتؤخذ من التجار وما أشبههم، هذا حكمهم في الجزية.