للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شركة المضاربة]

شركة المضاربة عرفنا أنها خاصة بأن يكون المال من واحد والعمل من آخر، وذلك لأنه قد يكون عند إنسان وقت فراغ ولا يجد مالاً، وهو يستطيع أن يَتَّجِرْ، فيعطيه الآخر مالاً ويقول: مني المال ومنك العمل.

ففي هذه الحال يَتَّجِرْ بهذا المال في الأعمال التي تناسبه، في أطعمة، أو في مشروبات، أو في أكسية، أو أحذية، أو أدوات، أو سيارات، أو أوانٍ أو نحو ذلك، والربح بينهما على ما شرطاه، سواء أكان للعامل الربع أم النصف أم الثلث، أم ما أشبه ذلك.

وإذا قال: الربح بيننا ففي هذه الحال يكون بينهما نصفين، وإذا قال: لك الربع.

أو: لك الثلث.

أو: لك الثلثان فيكون الباقي للآخر، وإذا اختلفا لمن الجزء المشروط فالأصل أنه للعامل؛ لأن المالك له ربح ماله، فإذا اتفقا على أن الجزء المشروط ثلث، فقال العامل: الثلث لك يا صاحب المال وقال المالك: الثلث لك يا عامل ولي الباقي فالمشروط للعامل، هذا هو الأصل، ثم قد تكون في غير تجارة، يكون إنسان متفرغاً يحسن الصناعة، فيقول: أعطني مالاً وأنا أشتري مواد صناعية وأنتج، والربح بيننا.

فلو أعطاه واشترى مطابع، وقال: الربح بيننا صح ذلك، فهذا يطبع وهذا منه رأس المال، أو اشترى أدوات خياطة، هذا منه الخياطة وهذا منه المال، والربح بينهما، وهكذا بقية الصناعات اليدوية وما أشبهها، والمصانع الآن تقوم على أنها شركات، إما أن تكون مساهمة، وإما أن يكون رأس المال كله من واحد والعمل من الآخر والناتج يكون بينهما، وهكذا أيضاً الزراعة، فلو قال: منك المال ومني الأرض، المال منك نشتري به مكائن، ونشتري به رشاشات، ونشتري به بلورات، ونحفر به، ونستأجر به عمالاً، وأنا علي الاحتراف والاشتغال، وإذا حصل النتاج فهو بيننا نصفان يجوز ذلك أيضاً، ويكون من المباح المعتاد، والربح يكون بينهما على ما شرطاه، فلو قدر أن رأس المال كان عشرين ألفاً، وفي نصف السنة ربح عشرين ألفاً، ثم إنه عزل رأس المال وقال: أجعل رأس المال في فواكه، وأجعل الأرباح في أطعمة -في أرز وفي تمر وفي شاي أو قهوة- ثم قدِّر أن رأس المال الذي جعله في فواكه أو في خضروات كسد وخسر ففي هذه الحال يجبر من الربح، فالربح الآن عشرون ألفاً، وقد خسر في هذه الأطعمة، فيجبر رأس المال من الربح ما لم يقسم.

ويجوز في كل سنة أن يقتسما، فلو أنه في السنة الأولى حسبت الأرباح وإذا هي عشرون ألفاً، فاقتسماها، وكل واحد أخذ حقه، وبقى رأس المال عشرون ألفاً، واستقبلا بها عاماً جديداً، ثم خسرا رأس المال، ذهب عليهما معاً، كأن يكون اشترى بها أغناماً ثم قدر أنها ماتت فإنها تذهب على المالك، وذلك لأن العامل أمين، فهو يقول: ذهب علي تعبي وذهب عليك مالك، فلا أغرم شيئاً.

ويُذكر أن بعضهم يشترط ويقول: رأس مالي لا ينقص ولا يضيع منه شيء، ولو خسرت فإنك تغرمه من مالك، وهذا شرط ينافي مقتضى العقد، وذلك لأن المضارِب مؤتمن؛ لأنه في الأصل أخذ ذلك لمصلحة الجميع، لكن إذا اشترطت عليه شروطاً ولم يفِ بها، أو عمل بخلافها فإنه يضمن، وقد ذكرنا أن حكيم بن حزام كان يعطي ماله مضاربة، ويشترط فيقول: لا تجعل مالي في كبد رطبة -أي: لا تجعله في حيوان؛ لأن الحيوانات قد يأتي عليها الموت فيذهب المال- ولا تنزل بمالي في واد -مجرى سيل- مخافةَ أن يأتي سيل فيحمله فيضيع مالي، ولا تركب به في بحر مخافة أن تهيج الأمواج فيلقى مالي في البحر.

فإذا اشترطت عليه مثل هذه الشروط، ولكنه ما وفى بها فإنه يضمن إذا تلف المال، أو تلف بعضه، أو خسر، وكذلك لو تلف المال قبل أن يبدأ في التصرف فإنه يذهب عليهما معاً.