للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التحذير من التهاون في قضاء الديون]

ورد التحذير من التهاون بديون الناس التي تتعلق بالذمة، فثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) يعني: من أخذها ديناً أو قرضاً أو أخذها ليتاجر فيها، وهو يريد إتلافها أتلفه الله، وإن كان ناصحاً وفقه الله لأدائها.

ولا شك أن الدين غرم يتعلق بذمة الإنسان، ولذلك قال الله تعالى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة:٦٥-٦٧] ، والمغرمون هم المدينون، يقول الله: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} [الواقعة:٦٥] يعني: زرعكم، {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة:٦٥] يعني: تتكلمون وتقولون: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْن مَحْرُومُونَ} [الواقعة:٦٦-٦٧] فدل على أن الغرم من جملة ما يتألم لأجله.

وورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ في آخر صلاته فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقيل له: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! فقال: إن الرجل إذا غرم حدّث فكذب ووعد فأخلف) ، وهذا حق، فالإنسان إذا كان عليه دين، وجاءه صاحبه اضطر إلى أن يكذب ويقول: سأعطيك بعد قليل، أو سأعطيك، فيكذب بذلك، أو يعده شهراً أو نصف شهر ثم لا يستطيع، فيخلف الوعد.

وقد عدّ النبي صلى الله عليه وسلم خلف الوعد والكذب من خصال المنافقين، فعلى هذا يستعاذ بالله من المغرم، أي: من تحمل ديون الناس وحقوقهم، ولذلك ورد أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى أحداً قال: (ما أحب أن لي مثل أحد ذهباً، يأتي عليّ ثلاثة أيام وعندي منه دينار، إلا ديناراً أرصده لدين) يعني: لوفاء دين، وثبت أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إن قتلت في سبيل الله هل يغفر لي؟ فقال: إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبر، غفر الله لك، ثم قال: إلا الدين فإن جبريل أخبرني به) أي: لا تغفره الشهادة في سبيل الله؛ وذلك لأنه حق لآدمي، وحقوق الآدميين مبنية على المشاحة والمضايقة، فلا بد من قضائها، فتؤخذ من حسناته إذا مات وهو لم يوفها مفرطاً، فحقوق الآدميين لا بد من وفائها، وهي من الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً، ففي الحديث الذي في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدواوين ثلاثة: ديوان لا يغفره الله، وهو الشرك بالله، وديوان لا يعبأ الله به، وهو ظلم الإنسان نفسه، وديوان لا يترك الله منه شيئاً، وهو مظالم العباد فيما بينهم) فهذه لابد فيها من القصاص لا محالة.

إذا عرف هذا فإذا كان على الإنسان دين وعنده مال فإنه يؤمر بوفائه، ويكلف أن يعطي الناس حقوقهم، ولا يجوز له أن يؤخر الوفاء، ويعتبر ذلك ظلماً، وورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم) ، والمطل هو التأخير، يعني: تأخيره للوفاء ظلم منه لأصحاب الأموال، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: (ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته) والواجد: هو القادر على الوفاء، وليُّه: يعني تلويته لأصحاب الحقوق، وعدم إيفائها، وعدم إعطاء الناس حقوقهم، (يحل عرضه وعقوبته) ، عرضه، أي: شكواه، وعقوبته: حبسه؛ وذلك لأنه أخر الحق عن أصحابه، فلهم أن يرفعوا بأمره، ولهم أن يشتكوه إلى من يأخذ حقهم منه، فإذا كان ماله بقدر دينه أو أكثر، حرم عليه التأخير، ولم يجز حبسه بل يكلف ويؤمر أن يعطي الناس ما في ذمته لهم حتى تبرأ ذمته، وحتى يعطي كل ذي حقٍ حقه، فإن أخر ذلك فلهم شكواه، ولهم عقوبته.