ثم العطية كأنها بين المتقاربين في الحال، أي: إذا سلمت لأخيك شيئاً أو لجارك فإنها تسمى عطية، وكذلك هبتك لمن تحتك إذا لم تقصد الأجر تسمى عطية، ومن ذلك عطية الوالد لأولاده تُسمى عطية، فعطيتك لأخيك عطية، ولزميلك وصديقك عطية، ولولدك عطية، وأما للفقير الذي هو أنزل منك فإنها تسمى صدقة، وأما للأمير الذي فوقك فهذه تسمى هدية وهبة، والغالب أنك تأمل أكثر من ثمنها.
ذكر المصنف رحمه الله بعد ذلك عطية الوالد لأولاده، وأنه إذا أعطى أولاده عطية بدون سبب فإنه يلزمه التسوية والعدل، وقد جاء في ذلك حديث النعمان بن بشير، وهو أن والده بشير بن سعد أعطاه ونحله غلاماً، فقالت أمه:(أحب أن تُشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء ليشهده، فقال: أكُلَّ ولدك نحلته مثله، قال: لا، فقال: فأرجعه) ، وفي رواية أنه قال:(أتحب أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم، قال: فلا إذن، وقال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ، وفي رواية أنه حينما قال:(أشهدك على هذا، قال: لا أشهد على جور) ، وكل هذه الألفاظ في الصحيحين أو أحدهما.
وقوله:(اعدلوا بين أولادكم) العدل هو: التسوية، واختلف في مفهوم هذه الكلمة، فبعضهم قال: يسوي بين الذكر والأنثى؛ لأن قوله:(اعدلوا بين أولادكم) معناها: سووا بينهم، فيعطي الذكر كالأنثى، وقيل: إن العدل هو أن يقسم لهم على ما في الميراث، للذكر سهمان وللأنثى سهم؛ وذلك لأن كتاب الله تعالى هكذا فرض لهم، ولاشك أن القرآن هو أعدل ما يقال: إنه عدل، وهذا هو الصحيح، وهو أنه يسوي بينهم بقدر ميراثهم {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}[النساء:١١] .
وإذا قدِّر أنه فضل بعضهم وزاده، ففي هذه الحال يلزمه التسوية، فيسترد ما أعطى ذلك الذي أعطى، لقصة النعمان فإنه رد تلك الهبة، فعُلم بذلك أنها لا تلزم ولو قبضها ذلك الابن، وأنه يلزمه التسوية، فإن قدر على أن يعطي الآخرين مثل هذا الذي أعطاه فإنه يلزمه أحد أمرين: إما أن يُعطي الآخرين حتى يستووا أو يسترد ما أخذه من ذلك الذي فضله.