[الوضوء وأحكامه]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ذكر المؤلف فيما سبق أن المياه ثلاثة أقسام، واختار شيخ الإسلام أن الماء قسمان: طاهر، ونجس، وأن الحد الفاصل بينهما هو التغير.
وذكرنا أن ما سموه طاهراً في نفسه لا يرفع الحدث، هو في الغالب لا يسمى ماءً، حيث إنه يكتسب اسماً آخر كأن يسمى لبناً أو مرقاً أو قهوة أو شاهياً أو نحو ذلك.
وذكرنا في باب الآنية أن الراجح: أن جلد الميتة يطهر بعد الدبغ، لقوة الأدلة في ذلك، وهي واضحة الدلالة، والحديث الذي تمسك به من قال: إنها لا تطهر فيه اضطراب.
وذكرنا في الاستنجاء أن مسح الذكر باليد اليسرى بعد البول ونتره لا دليل عليه، والحديث الذي فيه ضعيف، وأنه يسبب السلس، كما وقع ذلك كثيراً.
وذكرنا في استقبال القبلة واستدبارها في البنيان أنه رجح شيخ الإسلام عدم جوازه كما لا يجوز في الصحراء، أخذاً بعموم الأحاديث التي فيها النهي.
كذلك ذكرنا أن السواك يصح للصائم قبل الزوال وبعده، والحديث الذي فيه: (إذا صمتم فاستاكوا أول النهار ولا تستاكوا آخره) لا يصح، والتعليل أيضاً غير صحيح.
هذه الأمور التي نبه عليها العلماء في المخالفات، سواء كانت مأمورات أو منهيات، والآن نبدأ فيما يتعلق بالوضوء.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: فروض الوضوء ستة: غسل الوجه مع مضمضة واستنشاق، وغسل اليدين، والرجلين، ومسح جميع الرأس مع الأذنين، وترتيب، وموالاة، والنية شرط لكل طهارة شرعية غير إزالة الخبث، وغسل كتابية لحل وطء، ومسلمة ممتنعة.
والتسمية واجبة في وضوء وغسل وتيمم، وغسل يدي قائم من نوم ليل ناقض لوضوء، وتسقط سهواً وجهلاً.
ومن سننه: استقبال قبلة، وسواك، وبداءة بغسل يدي غير قائم من نوم ليل، ويجب له ثلاثاً تعبداً، وبمضمضة فاستنشاق، ومبالغة فيهما لغير صائم، وتخليل شعر كثيف، والأصابع، وغسلة ثانية وثالثة، وكره أكثر، وسن بعد فراغه رفع بصره إلى السماء، وقول ما ورد.
فصل: يجوز المسح على خف ونحوه، وعمامة ذكر محنكة أو ذات ذؤابة، وخُمُر نساء مدارة تحت حلوقهن، وعلى جبيرة لم تجاوز قدر الحاجة إلى حلها، وإن جاوزته أو وضعها على غير طهارة لزم نزعها، فإن خاف الضرر تيمم، مع مسح موضوعة على طهارة.
ويمسح مقيم، وعاصٍ بسفره من حدث بعد لبس يوماً وليلة، ومسافر سفر قصر ثلاثة بلياليها، فإن مسح في سفر ثم أقام أو عكس فكمقيم.
وشرط تقدم كمال طهارة، وستر ممسوح محل فرض، وثبوته بنفسه، وإمكان مشي به عرفاً، وطهارته، وإباحته ويجب مسح أكثر دوائر عمامة، وأكثر ظاهر قدم خف، وجميع جبيرة.
وإن ظهر بعض محل فرض أو تمت المدة استأنف الطهارة.
فصل: نواقض الوضوء ثمانية: خارج من سبيل مطلقاً، وخارج من بقية البدن من بول وغائط وكثير نجس غيرهما، وزوال عقل، إلا يسير نوم من قائم أو قاعد، وغسل ميت، وأكل لحم إبل، والردة، وكل ما أوجب غسلاً غير موت، ومس فرج آدمي متصل، أو حلقة دبره بيد، ولمس ذكر أو أنثى الآخر لشهوة بلا حائل فيهما، لا لشعر وسِن، ولا بها، ولا من دون سبع، ولا ينقض وضوء ملموس مطلقاً.
ومن شك في طهارة أو حدث بنى على يقينه.
وحرم على محدث مس مصحف وصلاة وطواف، وعلى جنب ونحوه ذلك، وقراءة آية قرآن، ولبث في مسجد بغير وضوء.
فصل: موجبات الغسل سبعة: خروج المني من مخرجه بلذة، وانتقاله، وتغييب حشفة في فرج أو دبر، ولو لبهيمة أو ميت بلا حائل، وإسلام كافر، وموت، وحيض ونفاس.
وسُن: لجمعة، وعيد، وكسوف، واستسقاء، وجنون وإغماء لا احتلام فيهما، واستحاضة لكل صلاة، وإحرام، ودخول مكة، وحرمها، ووقوف بعرفة، وطواف زيارة، ووداع، ومبيت بمزدلفة، ورمي جمار.
وتنقض المرأة شعرها لحيض ونفاس لا جنابة إذا روت أصوله.
وسُن توضؤ بمد، واغتسال بصاع، وكره الإسراف، وإن نوى بالغسل رفع الحدثين أو الحدث وأطلق ارتفع.
وسن لجنب غسل فرجه، والوضوء لأكل وشرب ونوم ومعاودة وطء، والغسل لها أفضل، وكره نوم جنب بلا وضوء] .
المؤلف كما رأينا يختصر كثيراً، فإنه اقتصر على فروض الوضوء ولم يذكر صفته؛ وذلك لأنه إذا أتى بهذه الفروض فقد أتى بالوضوء المطلوب، وكذلك إذا حافظ على سننه وشروطه وواجباته، وهذه الأشياء التي هي السنن والواجبات والشروط وما أشبهها، مأخوذة من عمومات الأدلة.