قال رحمه الله:[ولا يصح ولا يشترط ضمان الأمانات بل التعدي فيها] .
ضمان الأمانات لا حاجة إليه، والأمانة: هي الوديعة التي يودعها صاحبها عند من يحفظها.
سواءٌ أكانت من النقود أم من غيرها، فإذا أودعت عند إنسان ألفاً فلا تحتاج إلى ضمان، ولا تقول: أودعك بشرط أن تأتيني بضمين.
فإنه سيقول: أنا متبرع بحفظها.
فكيف أضمنها؟ وكيف آتي بضمين؟ لو تلفت عندي وأنا ما فرطت فيها فإني لا أضمنها، فلا مصلحة لي في حفظها، أنا أحفظها لك تبرعاً، فإن أردت ذلك وإلا فأودعها عند غيري.
وكذلك لو أودعت عند إنسان أكياساً أو طعاماً أو ثياباً أو قدوراً أو أواني فهو متبرع بحفظها ليحفظها لك مجاناً وديعة أو أمانة، فكيف تقول: ائتني بضمين يضمنها لي إذا تلفت عندك؟ فإنه يقول: خذها ولا تودع عندي شيئاً إذا كنت تطلب مني ضميناً.
فالأمانات إذا تلفت لا تضمن إلا في حالتين: إذا فرط، أو تعدى، والتفريط هو الإهمال، والتعدي هو الاستعمال، فهذا المودع حفظ الوديعة في حرز مثلها ثم سرقت أو احترقت، فلا ضمان عليه، لكن إن فرط: فترك الأبواب مفتوحة، وجاء لص واختطفها فهذا التفريط يضمن به، مثلاً: أودعته شاة فأهملها حتى افترسها السبع، فإنه يضمن؛ لأنه في هذه الحال فرط، وفي هذه الحال لك أن تطلب ضميناً، فتقول: ائتني بضمين عن التفريط.
والتعدي هو الاستعمال، فإذا أعطى مفاتيح السيارة لأحد الأولاد وهي مودعة، ثم حصل حادث وتكسرت فإنه يضمنها المودع، وفي هذه الحال لصاحبها أن يطلب ضميناً فيقول: ائتني بضمين، فإذا استعملتها أنت أو أحد أولادك فإنك تغرم قيمتها أو تغرم إصلاحها وهكذا لو لبس الثوب، أو حل وثاق الدهن فانسكب، أو فتح باب المخزن فدخلت البقر أو نحوها فأكلت من البر أو من التمر مثلاً، أو طبخ في القدر فاحترق ففي هذه الحال يضمن، وفي هذه الحال لصاحبها أن يطلب ضميناً فيقول: أريد ضميناً عن التعدي فيها.
ولا تضمن الجزية التي هي ضريبة تؤخذ على الذمي من اليهود أو النصارى أو المجوس، فتؤخذ منهم الجزية، ولكن هل يقال لصاحبها: ائتنا بضمين؟! لا يلزم؛ لأن الجزية تسقط عن الفقير كما ذكر في كتاب الجهاد.