[الشروط في النكاح]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: والشروط في النكاح نوعان: صحيح كشرط زيادة في مهرها، فإن لم يف بذلك فلها الفسخ.
وفاسد يبطل العقد، وهو أربعة أشياء: نكاح الشغار، والمحلل، والمتعة، والمعلق على شرط غير مشيئة الله تعالى.
وفاسد لا يبطله كشرط أن لا مهر، أو لا نفقة، أو أن يقيم عندها أكثر من ضرتها أو أقل.
وإن شرط نفي عيب لا يفسخ به النكاح فوجد بها فله الفسخ.
فصل: وعيب نكاح ثلاثة أنواع: نوع مختص بالرجل كجب وعنة، ونوع مختص بالمرأة كسد فرج ورتق، ونوع مشترك بينهما كجنون وجذام، فيفسخ بكل من ذلك، ولو حدث بعد دخول، لا بنحو عمىً وطرش وقطع يد أو رجل إلا بشرط، ومن ثبتت عنته أجل سنة من حين ترفعه إلى الحاكم، فإن لم يطأ فيها فلها الفسخ.
وخيار عيب على التراخي لكن يسقط بما يدل على الرضا، لا في عنة إلا بقول.
ولا فسخ إلا بحاكم، فإن فسخ قبل دخول فلا مهر، وبعده لها المسمى يرجع به على مُغرِّ.
ويقر الكفار على نكاح فاسد إن اعتقدوا صحته، وإن أسلم الزوجان -والمرأة تباح إذن- أقرا] .
هذا الفصل يبوبون عليه: باب الشروط في النكاح، وقد سبق أنهم قالوا: باب الشروط في البيع، وهنا قالوا: باب الشروط في النكاح، وهي: ما يشترطه أحد الزوجين على الآخر، وهي قسمان: - شروط صحيحة.
- وشروط باطلة.
وقد ورد الوفاء بالشروط في النكاح في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج) يعني: أن الشروط التي تشترطها المرأة، وتحل نفسها لك بها، عليك أن توفي بها.
والشرط هو ما يلتزم به الزوج للزوجة، أو ما تلتزم به الزوجة لزوجها، ويكون محل الشروط صلب العقد، أي: الشروط التي يلزم الوفاء بها هي التي يشترطونها عند العقد، ويكتب ذلك في العقد، فيكتب في العقد أنه اشترط الولي على الزوج لزوجته أن يسكنها في بيت مستقل، أو اشترط ألا يسافر بها، أو اشترط ألا يتزوج عليها، وقد تكثر الشروط التي يحتاج إلى كتابتها، ويختار الإشهاد عليها، فيكتبونها ويشهدون عليها عند العقد، وإذا خالف فيها فلها طلب الفسخ؛ لأنه حق لها، ومعلوم أنه إذا أدخل عليها زوجة أخرى في بيتها فإنها تتضرر، فلها أن تطلب الفسخ، وتقول: إما ألا تدخل علي الزوجة أو فارقني.
كذلك أيضاً إذا شرط لها ألا يسافر بها، فإن لها شرطها، وكذلك إذا شرط لها ألا يخرجها من دارها أو من بلدها، فإن هذا من الشروط التي لها فيه مصلحة، وهكذا أيضاً إذا اشترط عليه أن يزوّرها أهلها كل أسبوع أو كل شهر أو كل سنة، فلها شرطها، ولها المطالبة به، وكذلك إذا شرطت زيادة في المهر، فإذا كان مهر أخواتها -مثلاً- عشرة آلاف فاشترطت عشرين ألفاً فلها شرطها، وهكذا إذا شرطوا أيضاً شرطاً قد وجد له أصل في الشرع، ويكون ذلك من باب التأكيد، فإذا شرطوا ألا يُركبها مع أجنبي في السيارة، أو ألا يخلو بها أجنبي، فهذا شرط أقره الشرع، وكذلك إذا شرطوا على الزوج ألا يدخل عليها جهاز الدش ونحوه، ولو طلبت ذلك، وهكذا إذا شرطت أن تبقى في وظيفتها، أو شرطت أن تواصل دراستها حتى تكملها، أو شرطت -إذا كانت موظفة- أن لها راتبها، أو أن يوصلها إلى المدرسة، أو إلى محل عملها، كل ذلك من الشروط التي يجب الوفاء بها.
أما الشروط التي تحلل حراماً فلا يجوز اشتراطها ولا الوفاء بها، فلو شرطت أن يمكنها من دخول السوق متى أرادت، أو أن تخرج من بيته متى شاءت، فهذا شرط يخالف الشرع، أو شرطت مثلاً أن يمكنها من نزع الحجاب، كما يكون ذلك في بعض البلاد، أو من حضور الحفلات التي فيها منكرات، أو النوادي، أو من الألعاب التي فيها منكر ونحوه، فهذا شرط يخالف مقتضى الشرع، فلا يجوز الوفاء به، ولو رضي بذلك عند العقد، فإن في الحديث: (المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) .
وإذا شرطت ألا يتزوج عليها فبعض العلماء يقول: لا يصح؛ لأن هذا شرط يحرم حلالاً، ولكن الجمهور على أنه صحيح؛ وما ذاك إلا لأن عليها ضرراً من الضرة، وعلى هذا إذا أراد الزواج بأخرى فإنه يخيرها، ويقول: أنا أريد أن أتزوج، فإما أن توافقي، وإما أن تطلبي الفراق، أي: إذا رغب في ذلك النكاح، وكان هناك دوافع، لكن قد تقول: إن الطلاق ضرر عليَّ، فقد يكون ضرراً عليها، لاسيما إذا أتت بولد واحد أو عدد، فإن ذلك يكون إساءة لسمعتها، وإذا طلقت فقد لا يرغبها الرجال، ويقولون: هذه قد نشزت وفارقها زوج، فلا يرغب فيها غيره، فلذلك يرى بعض العلماء أن عليه الوفاء بهذا الشرط، وألا يتزوج عليها، ولو تضرر.
والصحيح: أنه إذا احتاج إلى ذلك فإنه يخيرها بين أن تبقى معه مع الزوجة الجديدة أو تفارقه، فيكون لها الخيار.
فإذا لم يف بهذه الشروط أو ببعضها فلها طلب الفسخ، ولها أن تذهب إلى الحاكم وتطلب منه أن يفسخ النكاح إذا جاءت بالشرط، وقد تقول: قد شُرط عليه كذا، وهذه صورة العقد، أو هؤلاء الشهود الذين يشهدون، فأطالب إما أن يفي بما شُرط عليه، وإما أن يخلي لي السبيل، ويكون هذا أوثق لها، روي أن عمر رضي الله عنه رفع إليه رجل تزوج امرأة، وأنها شرطت عليه ألا يسافر بها، فقال: مقاطع الحقوق عند الشروط، يعني: أن الحقوق تقطعها الشروط، فالشروط أوثق، وأولى ما يوفى به شروط النكاح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) ، فإذا كان هناك شروط في العقد لزم الوفاء بها.