[موجبات الغسل]
ذكر المصنف أن موجبات الغسل سبعة، والغسل يراد به غسل البدن كله، أي: ما يمكن وصول الماء إليه.
وهذه الموجبات هي: الأول: خروج المني من مخرجه بلذة، واشترط بعض العلماء لخروج المني الموجب للغسل شرطان: الأول: الدفق.
والثاني: اللذة.
يعني: أن يخرج في اليقظة ويشعر بلذة عند خروجه، فإذا كان يسيل سيلاناً كالبول فلا يوجب غسلاً، وكذلك إذا خرج دفقاً، يعني: اندفاعاً ولم يصحبه لذة، واستثنوا من ذلك النائم، فإنه إذا وجد المني قد خرج منه فإنه يغتسل؛ لأن النائم لا يشعر به حالة خروجه.
الموجب الثاني: انتقاله، وهو أن ينتقل من الصلب متوجهاً إلى مكان خروجه ولكن لم يخرج، فيغتسل له، فإذا خرج بعد ذلك فلا يعيد الاغتسال، ولكن يتوضأ؛ لأنه خارج من أحد السبيلين.
الموجب الثالث: مسمى الوطء، وحدّه: تغييب حشفة في فرج أصلي قبل أو دبر ولو لبهيمة أو ميت بلا حائل، وفيه أيضاً كلامٌ كثير، والصحيح: أنه يوجب الغسل.
والذين قالوا: لا يوجب، استدلوا بالحديث الذي فيه: (الماء من الماء) يعني: أن الاغتسال لا يكون إلا بعد الإنزال.
والذين قالوا: يوجب، استدلوا بحديث: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل) ، فإذا غيّب الرجل رأس ذكره إلى محل الختان ولو في بهيمة، أو دبر، أو ميت، أو امرأة حلالاً أو حراماً وجب عليه الغسل، ولا شك أن الحرام يوجب الإثم، كالبهيمة، والدبر، والمرأة الحرام، ولكن مع ذلك يكون عليه جنابة.
واشترط: ألا يكون مع حائل، فإن كان من وراء ثوب فإنه لا يوجب.
الموجب الرابع: الكافر إذا أسلم؛ وذلك لأنه في حالة كفره نجس، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:٢٨] ، وقد ورد أيضاً أنه عليه السلام أمر رجلاً أسلم أن يغتسل.
وذهب بعضهم: إلى أنه يستحب إلا أن يكون عليه نجاسة قبل أن يسلم كالجنابة التي لم يغتسل لها.
والأقرب: أنه واجب عليه.
الموجب الخامس: الموت، فإذا مات الإنسان وجب تغسيله، كما هو معروف.
السادس والسابع: الحيض، والنفاس، وهما مما يختص بالمرأة، لقول تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة:٢٢٢] .
أما الاغتسالات المسنونة فكثيرة، منها: الأول: غسل الجمعة، وقد ذهب بعضهم: إلى وجوبه، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) .
وذهب بعضهم: إلى أنه ليس بواجب وأنه سنة.
وذهب آخرون إلى أنه واجب على من هو بعيد العهد بالنظافة؛ لأن هذا إذا كان به وسخ أو قذر أو نحو ذلك فإنه يؤذي المصلين، فيجب عليه، وأما إذا كان نظيف البدن فلا.
الثاني: الغسل للعيد، قياساً على الجمعة؛ لأن فيه اجتماعاً عاماً.
الثالث: الاغتسال لصلاة الكسوف، قياساً أيضاً على الجمعة، ولكن ليس هناك دليل.
الرابع: الاغتسال للاستسقاء، ولعل الأقرب: أنه يكتفى بالوضوء لعدم الدليل؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم لما وقع الكسوف قام فزعاً إلى الصلاة، ولم ينقل عنه أنه اغتسل.
الخامس: الجنون، فإذا أفاق أحد من جنون فإنه يغتسل؛ وذلك لأنه لا يدري ما حدث فيه.
السادس: الإغماء، والغشية، فإذا غشي عليه ثم أفاق فليغتسل، ثبت أنه عليه السلام في مرض موته أغمي عليه، فلما أفاق قال (ضعوا لي ماء في مركن فاغتسل، ثم ذهب ليقوم فأغمي عليه) فإن وجد احتلام في الجنون أو الإغماء فإنه يكون واجباً، ولا يكون مسنوناً.
السابع: الاغتسال للاستحاضة عند كل صلاة، كما ورد الأمر لها بأن تغتسل لكل صلاة أو تجمع الصلاتين في اغتسال واحد إذا شق عليها.
الثامن: الاغتسال عند الإحرام، وقال بعضهم بوجوبه، والصحيح أنه سنة.
التاسع: عند دخول مكة، وكان في ذلك الوقت بين الإحرام وبين دخول مكة قد يكون عشرة أيام أو أربعة أيام أو ثلاثة، فأما في هذه الأزمنة فالزمن قصير، يدخلها بعد أن يحرم بساعة أو نحوها، فلا حاجة إلى تجديد الغسل.
العاشر: إذا وصل إلى حدود الحرم، كما يقول المؤلف أيضاً: يغتسل لحرم مكة.
الحادي عشر: يغتسل للوقوف بعرفة.
الثاني عشر: الاغتسال لطواف الزيارة (طواف الإفاضة) .
الثالث عشر: الاغتسال لطواف الوداع.
الرابع عشر: الاغتسال للمبيت بمزدلفة.
الخامس عشر: الاغتسال لرمي الجمار.
هكذا عددوا هذه الاغتسالات، وأكثرها استحسان، وقالوا: لأنه عمل صالح فيسن أن يأتيه بنظافة، والصحيح: أنه لا دليل على ذلك، وأنه لا موجب للاستحباب إلا إذا كان الإنسان بعيد العهد بنظافة أو نحوها.