للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شروط الموصى إليه]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ويصح الإيصاء إلى كل مسلم مكلف رشيد عدل، ولو ظاهرًا، ومن كافر إلى مسلم، وعدل في دينه.

ولا يصح إلا في معلوم يملك الموصي فعله.

ومن مات بمحل لا حاكم فيه ولا وصي، فلمسلم حوز تركته، وفعل الأصلح فيها من بيع وغيره، وتجهيزه منها، ومع عدمها منه، ويرجع عليها أو على من تلزمه نفقته إن نواه، أو استأذن حاكمًا] .

هذا الفصل يتعلق بالموصى إليه، والفقهاء يذكرون باب الموصي، وباب الموصى به، وباب الموصى له، وباب الموصى إليه.

والمراد بالموصى إليه الوكيل الذي يتولى تنفيذ الوصية، فمن شروط الموصى إليه: أن يكون مسلماً مكلفاً رشيداً عدلاً ولو ظاهراً، فلا يصح أن يوكل كافراً إلا عند الضرورة، دليل ذلك قول الله تعالى في آية الوصية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة:١٠٦] إلخ الآية.

وسبب نزولها: أن رجلاً من قريش كان مسافراً ومعه مال، وفيه جام ثمين، فحضره الموت وليس عنده إلا اثنان من النصارى، فأوصى بماله، فتوليا وصيته، ثم إنهما جحدا من تركته جاماً له قيمة، فجاءوا بتركته إلى قبيلته من بني سهم، فقالوا: أين الجام؟ فقالوا: لا نعرفه، ثم عثر على الجام بعد ذلك وقد بيع، وأخبر المشتري بمن باعاه، وهما الوصيان، فأنزل الله هذه الآية، وهي تدل على أنه إذا لم يكن عنده من يوصي إليه، فله أن يوصي إلى كافر، وإذا خيف أن هذا الكافر لا يؤدي الأمانة فإنه يستحلف، كما قال ((فيقسمان بالله)) أي: يحلفان بعد الصلاة، كما في هذه الآية: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنْ الآثِمِينَ} [المائدة:١٠٦] .

فإذا خيف أنهما كتما، حلف اثنان من أولياء الميت: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} [المائدة:١٠٧-١٠٨] ، فهذا في حالة الضرورة.

واشترطوا في الوكيل أن يكون مكلفاً، فلا يوكل على تركته أو على وصيته صغيراً غير مميز، ولا يوكل مجنوناً فاقد العقل.

واشترطوا أيضاً أن يكون رشيداً، والرشد هو الصلاح في المال، فالرشيد هو الذي يكون مصلحاً للمال، وحافظاً له، ومواظباً عليه، ومأموناً عليه، أما إذا كان مفسداً للأموال سفيهاً مسرفاً، فلا يصح أن يوكل.

ومن شروطه أن يكون عدلاً، والعدالة تكون في الدين وتكون في الدنيا، فلا يصح أن يوصي إلى فاسق، والفاسق هو من يفعل المنكرات والفواحش، ويفعل الآثام، وما أشبهها، ففي هذه الحال لا تصح الوصية إليه.

فالإسلام، والعقل، والبلوغ، والرشد، والعدالة، هذه شروط الموصى إليه، وهو الوكيل.

ويشترط أن يكون عدلاً ولو ظاهراً، أي: يكون عدلاً في الظاهر، فيقولون: لا نعلم عنه إلا خيراً، وباطنه أمره إلى الله.