[مشروعية المسابقة]
ورد في حديثٍ عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، فلما ركبني اللحم سابقته فسبقني، فقال: هذه بتلك) ، وكان ذلك في غزوة من الغزوات، وفي ليلة من الليالي، وكانوا منفردين في مكان بعيد عن الجيش، فأخذ يتدرب، وهذا يدل على حسن العشرة مع الزوجة، وأنه جاراها هذه المجاراة بالمسابقة على الأقدام في العدو.
وكذلك أيضاً: المصارعة؛ فكون أحدهما يجاهد نفسه أن يصرع الآخر فيه أيضاً: تدرب على النشاط والقوة، وفي بعض الأحاديث: أنه عليه الصلاة والسلام صارع رجلاً يقال له: ركانة، فالمصارعة فيها اختبار القوة والنشاط، كما أن المسابقة فيها التدرب على سرعة الجري على الأقدام.
وكذلك أيضاً: المسابقة على السفن البحرية، فقد تكون إحداهما أقوى جرياً من الأخرى، فيتجارى اثنتان، وينظر أيهما أسبق، وكانت السفن قديماً تجري بالرياح، وإذا سكنت الرياح سكنت في البحر كما قال تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنْ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} [الشورى:٣٣] ، وأما في هذه الأزمنة فالمراكب البحرية فيها مكائن تدفعها فتندفع بها في لجة البحر، وقد يكون بعضها أقوى من بعض، وأسرع سيراً، فيجوز السباق على السفن والمراكب البحرية والمزاريق، والمزراق زورق يكون في البحر، وهو مركب صغير، يركب فيه أربعة أو خمسة، ثم يجعلون له مثل الخرقة تدفعها الريح، فالزورق من المراكب البحرية.
وكذلك أيضاً: السباق على الحيوانات: فيصح السباق على الإبل والخيل والبغال والحمر، وهي جميعها تركب ويتسابق عليها، والحكمة من ذلك تدريبها على سرعة السير.
ولا يجوز السباق بعوض إلا في ثلاثة: الإبل والخيل والسهام، وفي حديث ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة والخيل التي لم تضمر، وكان ابن عمر فيمن سابق) ، فقد كانوا يضمرون الخيل.
يعني: يطعمونها طعاماً كاملاً نحو ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر حتى تسمن وتقوى، ثم يقطعون العلف عنها ثلاثة أيام حتى يخف ما في بطنها، ثم يطعمونها شيئاً يدفع عنها الجوع، فتصير خفيفةً وقويةً، وإذا انطلقت فقد تجري نحو اثني عشر ميلاً، والميل: قريب كيلوين إلا ربع، والخيل التي لم تضمر لا تجري إلا نحو ثلاثة كيلو أو أقل ثم تقف.
والحاصل: أنه سابق بين الخيل، فدل على صحة السباق، والحكمة من ذلك: تدريبها على السير؛ وذلك لأنه يقاتل عليها، فإذا كانت قد تدربت فإن صاحبها الذي ركبها يجريها حتى تصل إلى ما يريد أن تجري فيه حتى تلحق الأعداء، وحتى تدرك الأعداء الهاربين، ففي ذلك تدريب لها.
وكذلك الإبل يسابق عليها، ويجوز العوض لمن سبق، فمن سبق على بعيره فله هذا العوض الذي هو مائة أو ألف أو جوهرة أو كذا وكذا.
وكذلك السهام، فالسهام هي الرمي، ومعلوم أن تعلم الرمي سنة، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً) ، فيسن تعلم الرمي، وفسر النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:٦٠] فقال: (ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي) .
يعني: من جملة القوة تعلم الرمي، وكان الرمي قديماً بالسهام، والسهم ينحت من عود سَلَم، أو سَمُر، ويجعلون له رأساً محدداً، ثم يجعل في القوس، ويرمى به فيذهب نحو مائتي ذراع أو ثلاثمائة على الأكثر، ويرمي الرمية فينفذ فيها، فيتدرب على الرمي، ومثله أيضاً: الأسلحة الجديدة.