للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موانع الطلاق وتعذر وقوعه]

متى لا يقع الطلاق؟ إذا كان الزوج معذوراً كزوال عقله -فلو شرب مسكراً جاهلاً، ولم يعلم أنه حرام، فطلاقه لا يقع؛ لأنه يتكلم بما لا يعقل.

واختلف فيما إذا طلق وقد تعمد السكر، هل يقع طلاقه أم لا؟ معلوم أن السكران يهذي في كلامه ولا يعقل ما يقول، حيث إن هذا السكر غطّى عقله ومعرفته.

أكثر العلماء يقولون: إنه يقع؛ لأنه تعمد شرب المسكر؛ فيقع الطلاق عقوبة له، ولأنه يعرف ما يترتب على شرب المسكر: كالغيبوبة وزوال العقل وزوال المعرفة، فهو كأنه مقدم على هذا الأمر؛ فيقع عقوبة له، قال أكثر العلماء: يقع طلاق السكران، واختار بعض المحققين أنه لا يقع؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، وبه كان يفتي شيخنا ابن باز رحمه الله؛ وذلك لأنه في تلك الحالة لا يدري ما يقول، والله تعالى يقول: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:٤٣] ، وهو لا يعلم ما يقول، فكلامه لا يحاسب عليه، ومعلوم أنه سيقام عليه الحد الذي هو الجلد أو السجن أو نحو ذلك، فلا نؤاخذه بالطلاق حال سكره.

وبعض الناس يستحلون ما يقدرون عليه من أموال السكران، فبعض السكارى -والعياذ بالله- إذا سكر خرج وجعل يمشي بين الناس وفي الأسواق، فإذا أشار مثلاً إلى صاحب سيارة وركب معه، وعرف السائق أنه سكران، أخذ ما معه، فيسلبه ما معه ولو كان ألفاً أو ألوفاً، وربما يأخذ ما معه مما هو ثمين كساعة أو نحوها، فهذا حرام، لأنه أخذ ماله في غفلته وهو لا يدري، وهكذا بعض هؤلاء إذا دخلوا بيت إنسان، ورأوا أنه سكران؛ فإنهم يسلبون ما عنده من المال، ويقولون: إنه حلال لنا؛ لأنه سمح لنا وأعطانا، وهذا حرام.

ولاشك أنه يستحق العقوبة الشديدة؛ حيث إنه تعاطى ما يزيل عقله، ولكن كوننا نستحل أمواله أو نأخذ منه ما ليس حقاً لنا، فهذا لا يجوز، أما إذا كان عقله زال بعذر؛ بمعنى: أنه شرب وهو لا يدري، أو مثلاً بنج أي: ضرب ببنج أزال شعوره، فتكلم بما لا يعقل وطلق؛ فإنه لا يقع.

وهكذا المكره، وهو الذي ألجئ على التلفظ بالطلاق وهدد، وكان الذي هدده إذا قال فعل؛ يعني: أنه قادر على إلحاق الضرر به، فطلق لذلك، فلا يقع طلاقه، فإذا أكرهه سلطان أو رئيس، أو جاء أهل المرأة إليه فقالوا: طلق وإلا قتلناك، أو قال له أحد أوليائها الذين يريدونها لأنفسهم: طلق وإلا قتلناك، وهددوه بالسلاح، وهم قادرون، ومعهم الأسلحة، فطلق بناءً على كلامهم، فالأصل أنه مغلوب على أمره، فالمكره قد أبيح له أن ينطق بكلمة الكفر، قال تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:١٠٦] ، فكل ما فيه شيء من الإكراه لا يقع به الطلاق.

يحكى أن رجلاً رأى عسلاً في قمة جبل، ولا يوصل إليه إلا من الأعلى، فقال لامرأته: إني سأتدلى بهذا الحبل إليه، فأمسكي هذا الحبل، فأمسكته وتدلى، ولما كان في نصف الطريق متدلياً قالت له: طلقني وإلا أطلقت الحبل حتى تسقط، ولو أطلقته سقط من قمة الجبل ولن يصل إلا قطعاً، فخوفها بالله فلم تقبل؛ فطلقها، ولما صعد ذهب إلى عمر وسأله فقال: راجع امرأتك، لا يقع مثل هذا الطلاق، هذا مثال على الإكراه.