للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ترتيب كتب الفقه]

ولما كتبوا في هذا النوع -الذي هو علم الأحكام الفقهية- قسموه إلى أربعة أقسام: قسم العبادات، وقسم المعاملات، وقسم المعاقدات، وقسم الجنايات، وبدءوا بقسم العبادات؛ لأنها حق الله على العبيد؛ ولأن منها ما هو فرض عين؛ ولأنها حق الله تعالى، فلابد من معرفته.

ثم إنهم قسموها إلى أربعة أقسام على ترتيب أركان الإسلام، فبدءوا بالصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، هذا هو ترتيب أكثرهم، وأضاف كثير منهم الجهاد، وجعلوه ركناً سادساً، كما فعل ابن قدامة في المقنع ومن تبعه من بعده، فرتبوها على ترتيب أركان الإسلام، وبدءوا بالصلاة، إلا أنهم قدموا شرطها عليها وهو الطهارة؛ لأن الشرط يتقدم على المشروط، وانتهوا من الصلاة وما يتعلق بها، وألحقوا بها -أيضاً- الجنائز؛ لأن أهم ما يعمل في الجنائز الصلاة على الميت، فألحقوها بالصلاة، وبعد ذلك ذكروا الزكاة لأنها قرينة الصلاة في كتاب الله، وبعد ذلك ذكروا الصيام؛ فإنه جاء في حديث الأركان بعد الصلاة والزكاة؛ ولأنه فرض عين على كل مكلف، وبعد الانتهاء منه ذكروا كتاب الحج؛ وذلك لأنه من أركان الإسلام، وأخروه لأنه لا يجب في العمر إلا مرة، ولا يجب إلا على المستطيع، وبعد ذلك ذكروا الجهاد؛ لأن الصحيح أنه من فروض الكفاية، وإن كان قد يصل إلى فرض العين في بعض الأحوال.

ولما انتهوا من قسم العبادات بدءوا بالمعاملات؛ وذلك لأن أهم شيء يحتاجه الإنسان في حياته هو تحصيل القوت والغذاء الذي به قوام حياته، ومعلوم أن الإنسان لابد له من غذاء يتقوت به، وهو الأكل والشراب والكسوة ونحوها، وذلك يتوقف على تحصيل المال والكسب، وقد عرف أن أنواع المكاسب التي يكتسب منها المال كثيرة، فمنها الحرف اليدوية كالصناعات من حدادة ونجارة ونساجة وحياكة، ومثلها -أيضاً- الصناعات الجديدة، والصناعات الحديثة، كصناعة الأدوات والمكائن وما أشبهها، وما تحتاج إليه من هندسة ونحو ذلك، فهذه من أنواع المكاسب التي ينشغل بها خلق كثير، ومنها -أيضاً- الحرف اليدوية، مثل البناء والحفر والغرس والتكسب بمثل ذلك كخياطة وغسيل وما أشبه ذلك، هذه -أيضاً- من المكاسب التي يتكسب بها، وكذلك -أيضاً- تربية المواشي، والتكسب من ورائها، وكذلك غرس الأشجار واستثمارها، والتكسب من ثمارها أكلاً وتجارة وما أشبه ذلك، وكل هذه تعرف بالتجربة، ويحتاج في معرفتها إلى تعلم مبادئها، وليس لها أحكام من الأحكام التي يعرف بها حلها أو حرمتها، إلا الأشياء العامة من تحريم الغش فيها والخيانة والمخادعة وخلف الوعد وما أشبه ذلك.