يقول:(وما تلف بآفة سماوية فعلى البائع، إلا الشيء اليسير) أي: إذا كان التلف شيئاً يسيراً فعلى المشتري، وأما إذا كان تلفاً كبيراً بآفة سماوية فعلى البائع، ما لم يبع مع أصل، أما إذا باع شجر الثمر ثم تلف بآفة سماوية فإنه يذهب على المشتري، وهكذا لو أن المشتري أخر الجذاذ عن عادته فتلف فإنه على المشتري.
ماذا تسمى هذه المسألة؟ تسمى مسألة وضع الجوائح، الجائحة هي: المصيبة التي تصيب الثمر، وقد اختلف فيها العلماء، فالإمام أحمد ذهب إلى وضع الجوائح، ولم يعمل بذلك أكثر الأئمة، فإذا باع الثمرة في هذه النخلة أو النخلات بعدما بدا صلاحها، ثم قدر أن جاءها جراد وأكل الثمرة، أو جاءها بَرَد وأسقط الثمرة، فعلى من تذهب؟ فيه قولان: ذهب أحمد إلى أنه يتحملها البائع، وذهب الأئمة الآخرون إلى أنها على المشتري؛ لأن البائع يقول: بعتك الثمرة، وخليت بينك وبينها، واستلمت الثمن كاملاً، ولم أمنعك، وأصبحت الثمرة ملكاً لك، وهذا الأمر ليس بيدي، هي آفة سماوية، وليس باستطاعتي أن أرد أمر الله تعالى، فكيف أتحملها وقد بعتها، وقد أقدم عليها ذلك المشتري؟! وذهب الإمام أحمد إلى أنها على البائع، واستدل بحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال:(لو بعت من أخيك ثمرة فأصابتها جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ من مال أخيك شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟) وهو حديث صحيح.
وذهب بعضهم إلى أن هذا الحديث ورد قبل النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحها، ولعل هذا هو الأقرب، فهو خاص بما كانوا يتعاملون به قبل أن ينهوا، فكان أحدهم يبيعه وهو أخضر، ويبيعه وهو بلح صغير، ثم تأتي عاهة، فيقول: إذا أصابته عاهة فأنت أيها البائع تتحمل، لا تأخذ من المشتري شيئاً؛ لأنك أنت صاحب الشجر، وهذه الشجرة من جملة شجرك، وأنت عادة متعرض لهذه الآفات؛ لقوله تعالى:{لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا}[الواقعة:٦٥] ، وقد أخبر الله تعالى بما أصاب ثمار أصحاب الجنة الذين ذكروا في سورة القلم في قوله:{فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ}[القلم:١٩-٢٠] يعني: تلك الثمار أصبحت كأنها مصرومة.