قال المصنف رحمه الله:(لمريد خطبة امرأة مع ظن إجابة نظر إلى ما يظهر منها غالباً) .
الخِطبة بالكسر خطبة النساء، والخُطبة بالضم خُطبة الجمعة ونحوها، فإذا أراد أن يخطب امرأة وغلب على ظنه أنها تجيبه وأهلها يجيبون، لما عرف من أهليته وكفاءته، فإن له أن ينظر إلى ما يظهر منها غالباً، وقد وردت في ذلك أحاديث، كحديث المغيرة: أنه خطب امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(اذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً) ، وفي حديث آخر أنه قال:(إذا خطب أحدكم امرأة فلينظر إليها؛ فإن ذلك أدعى إلى أن يؤدم بينهما) يعني: إلى أن يؤلف بينهما، وإلى أن تحصل المودة بينهما.
واختلف: هل هذا النظر سر أو علانية؟ الأكثرون على أنه يكون سراً وخفية، كما في حديث جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(إذا خطب أحدكم امرأة فاستطاع أن ينظر إليها فليفعل) ، قال جابر:(فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها) ، فقوله:(إن استطاع) دليل على أنه يكون بغير علمها، وقوله:(أتخبأ لها) يعني: أختفي لها، وراء حائط أو نخلة أو نحو ذلك، قال: إلى أن رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها.
وينظر إلى ما يظهر منها غالباً، والذي يظهر غالباً وجهها وشعرها وكفاها وقدماها، هذا الذي يظهر منها غالباً، وليس المراد أن ينظر إلى بدنها كاملاً، وأن يتحين كونها مثلاً قد تجردت للاغتسال ونحوه فينظر إليها، أو ما أشبه ذلك، فإن ذلك لا يجوز.
وإذا قيل: إنه ينظر إليها علانية، فيكون ذلك في غير خلوة، وذلك بأن تحضر ومعها أحد محارمها كأبيها أو أخيها، فينظر إليها قائمة، وينظر إليها مقبلة أو مدبرة، ولا يكون هناك خلوة، وتظهر له وجهها وكفيها وشعرها، وينظر إلى هيكلها طولاً وقصراً، وضخامة أو نحافة أو ما أشبه ذلك، فإذا نظر إليها في غير خلوة كان ذلك من الأسباب التي تدفعه إليها.
أما إذا غلب على ظنه أنه لا يُجاب، فليس له أن يتعمد النظر، ولا يطلب ذلك، وكذلك أيضاً أهلها إذا غلب على ظنهم أنه لن يعزم على النكاح فلا يجوز لهم أن يمكنوه من النظر إليها.
وذكروا أنه ينظر إليها بشرطين: نفي الخلوة، ونفي إثارة الشهوة، أي: أن يأمن الشهوة، وقد يقع أن بعضاً من الشباب إذا خطب امرأة يكثر الاتصال بها هاتفياً، ثم يعقد معها مواعيد، ثم يخلو بها، وربما يخرج بها في سيارته خارج البلد، وهذا لا يجوز لما فيه من الخلوة، وكثيراً ما يحصل أنه يقع بها، ويطؤها في الحرام -والعياذ بالله-؛ لأنها لا تحل له إلا بعد العقد، ولو أنهم استجابوا له وقبلوه فحرام عليه الخلوة بها، سيما إذا لم يأمن الشهوة، ومعلوم أنه إذا خلا بها، وكان شديد الغلمة، وكذلك هي قد تكون شديدة الشهوة، فيندفع كل منهما إلى الآخر، فيقعا في فعل الفاحشة، فلذلك اشترطوا: ألا يكون هناك خلوة، وألا يكون هناك إثارة شهوة.