[ما يحرم على المرأة في الحداد وما يباح لها]
فلما جاء الإسلام جعل لها عدة أربعة أشهر وعشراً تترك فيها الزينة، وأباح لها أن تغير ثيابها، وأن تغسلها، وأن تغتسل، وأن تتنظف، وأن تخرج لحاجتها وما أشبه ذلك، إلا أنه حرم عليها الزينة التي تجلب النظر إليها، وحرم عليها استعمال الطيب، وكل شيء يدعو إلى جماعها، أو يرغب في النظر إليها، فلا تتطيب بطيب له ريح، أو له لون حسن كزعفران أو ورس أو عصفر أو نحو ذلك.
وكذلك أدهان الطيب كماء الورد ودهن العود وما أشبه ذلك، وكذلك لا تلبس لباس الشهرة كاللباس الذي تلبسه في الحفلات، وإنما تلبس ثيابها التي تشتغل بها في بيتها، ولا تقتصر على لباس لون معين، يعتاد بعض النساء الإحداد في الثوب الأسود، وهذا ليس شرطاً، بل تعتد في ثياب عادتها، لا فرق بين أسود وأحمر وأخضر وأزرق، ولا تكتحل الكحل الذي للزينة، وأما إذا احتاجت إلى الكحل للعلاج فلها ذلك، ولكن قالوا: تكتحل بالليل وتمسح بالنهار إذا كان يكسبها زينة في عينيها.
ولا تلبس الحلي؛ لأنه من جملة ما يلفت النظر إليها، فلا تلبس الخواتيم في الأصابع، ولا تلبس الأسورة في الذراع وهي ما تسمى بالروائش، ولا ما في العضد، وهو ما يسمى بالمعاضد، ولا ما في الأذن مما يسمى بالأقراط، والقرط: هو الذي يعلق في الأذن، ولا ما في الرقبة، وهو ما يسمى بالقلائد، وقد يسمى الآن الرشائش وأشباه ذلك مما تتحلى به من ذهب أو من فضة؛ لأن ذلك يلفت الأنظار إليها، ويدعو إلى وطئها، فلا تتجمل بشيء من ذلك.
وهكذا ورد في الحديث أنها لا تلبس ثياب زينة إلا ثوب عصب، والعصب: هي ثياب منسوجة كانت تأتي من اليمن، يكون فيها خطوط مستطيلة ليست للزينة.
وأبيح لها إذا اغتسلت من الحيض أن تتتبع أثر الدم الذي لوث بدنها كالفخذين ونحوه، فتأخذ قطعة من قسط أو أظفار، والقسط: هو نوع من الطيب، وكذا الأظفار، يسحق ويخلط بعضه ببعض، ثم تجعله في قطنة، ثم تتبع أثر الدم حتى يزيل ذلك الأثر والوسخ عنها.
ولها أن تغتسل متى شاءت، ولكن لا تغتسل بما فيه طيب كالصابون الممسك ونحوه، ولها أن تغتسل بغيره مثل الصابون التايت ونحوه.
ولها أن تصعد في بيتها ما شاءت، أو تخرج إلى ملاحق البيت، يعتقد بعض النساء أنه لا تبرح البيت، وأنها لا تنظر إلى القمر، وأنها لا تمشي في مشارف الدار وما أشبه ذلك مما لا أصل له، فليس عليها شيء من ذلك، كل ذلك مما يروجه بعض الناس بدون دليل.
ولها أن تصلي كما يصلي غيرها، يقول بعض الناس: إنها لا تصلي إلا بعد صلاة الإمام.
ولا أصل لذلك، ويقول بعضهم: إنها لا تغتسل إلا في كل أسبوع.
وهذا ليس بصحيح، بل تغتسل متى احتاجت إلى ذلك.
ثم عليها أن تبقى في محلها الذي مات وهي فيه، ولا يجوز لها أن تتحول من مسكن وجبت عليها العدة وهي فيه إلا لضرورة وحاجة، كما إذا كان البيت مستأجراً وانتهت مدة الإيجار، وليس عندها ما تدفعه كأجرة، أو أخرجها أهله، أو كذلك لم يكن عندها من يؤنسها واحتاجت أن تنتقل عند أهلها لتؤنس، أو خافت من الوحشة في هذا البيت، ففي هذه الحال يجوز أن تتحول، وإلا فلا تتحول.
وإذا كانت -مثلاً في هذه الأزمنة- معلمة أو طالبة أو ممرضة -أعني: موظفة- فهل تترك وظيفتها؟ وهل تترك الدراسة؟ لا تتركها، ويجوز لها والحال هذه أن تذهب، ولكن تكون متحجبة متسترة من حال خروجها من بيتها، وتركب في سيارة إن كان مكاناً بعيداً إلى باب المدرسة، ثم تتستر أيضاً إذا خرجت من المدرسة أو من المستشفى أو نحو ذلك.
ويجوز لها وهي في هذه الحال أن تخرج للحاجة، فلو استدعاها القاضي لأجل شهادة مثلاً، أو لحصر إرث، أو لأن توكل على نصيبها من التركة، ولم تقدر على أن توكل فإنها تحضر.
وهكذا لو مرضت، فلها أن تذهب إلى الطبيب أو الطبيبة للعلاج، وكذلك لو احتاجت إلى شراء شيء ولم يكن عندها من يشتري لها من البقالة، فلها أن تخرج لذلك.
ولكن خصوا الخروج نهاراً، ولا تخرج ليلاً؛ لأن الليل مظنة الوحشة ونحوه.
ولها أن تخرج في أول الليل، ولكن ترجع قبل النوم.
ذكر أن نساء الصحابة الذين استشهدوا في غزوة أحد كن يجتمعن عند إحداهن في النهار من باب التأنيس، خمس أو ست يجتمعن في بيت فلانة، من باب أن بعضهن يؤنس بعضاً حتى تزول عنهن الوحشة، فإذا جاء الليل وجاء وقت النوم رجعت كل واحدة إلى منزلها.