[دية الحر المسلم]
هذا الفصل يتعلق بالدية، أي: مقادير الدية.
قال: [فصل: دية الحر المسلم مائة بعير] .
اشترطوا أن يكون حراً، فالعبد ديته ثمنه، والكافر إذا كان معاهداً أو ذمياً ديته نصف دية المسلم.
يقول: [دية الحر المسلم مائة بعير] كلمة (بعير) اسم للواحد من الإبل يدخل فيه الذكر والأنثى، فيقال للناقة: بعير.
ويقال للجمل: بعير.
سواءٌ أكان صغيراً أم كبيراً، وإذا أرادوا التمييز قالوا: ناقة وجمل.
فالجمل الذكر والناقة الأنثى، وأما كلمة (بعير) فإنها تصلح للذكور والإناث.
قال: [أو ألف مثقال ذهباً] يعني: ألف دينار من الذهب، والدينار هو أربعة أسباع الجنية المعروف عندنا.
قال: [أو اثنا عشر ألف درهم] ، والدراهم قطع من الفضة، والمائتان مقدارها من الريال الفضي السعودي ستة وخمسون، وهو النصاب كما هو معروف، فنصاب الفضة ستة وخمسون من الريالات السعودية، ومن الدراهم القديمة مائتان، فمقدار الدية اثنا عشر ألف درهم فضة.
قال: [أو مائتا بقرة، أو ألفا شاة] أصول الدية خمسة، فمن الإبل مائة بعير، ومن البقر مائتان، ومن الغنم ألفان، ومن الذهب ألف مثقال، ومن الفضة اثنا عشر ألف درهم، واختلف العلماء هل هذه الخمسة كلها أصول أو الأصل واحد والبقية قيم؟ والراجح أن الأصل هو الإبل وأن البقية قيم؛ وذلك لأن العرب كانوا يدفعون الدية مائة من الإبل، واستقر الأمر على ذلك في العهد النبوي، فكانت الدية مائة من الإبل، ولما قتل اليهود عبد الله بن سهل ولم يجدوا من يدفع الدية دفع الدية رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من إبل الصدقة، وكان ذلك معروفاً عندهم، وفي قصة القرشي الذي قتله رجل من العرب لما كان راعياً عنده، فقالت قريش: إما أن يحلف منكم خمسون أنكم ما قتلتموه أو تدفعوا لنا مائة من الإبل.
فاستعدوا للحلف، وكانت امرأة من قريش ولدها من هذه القبيلة، فقالت: اسمحوا لولدي أن لا يحلف.
وفدى نفسه فجاء ببعيرين، وقال: إنكم طلبت مائة من الإبل أو خمسين رجلاً يحلفون، ونصيب كل واحد بعيران، فهذان بعيران عني خذوهما.
فأخذوهما، والبقية حلفوا وهم تسعة وأربعون، يقول ابن عباس: فما تم الحول وفي التسعة والأربعين عين تطرف.
يعني: ماتوا بسبب أنهم حلفوا وهم كاذبون.
فالحاصل أن الدية من الإبل هي الأصل، فعلى هذا إذا ارتفع سعر الإبل رفعت الدية، وإذا رخصت الإبل نقص من قدرها، فتقدر بالإبل، ولا تقدر بالبقر ولا بالغنم، والدية الآن في هذه البلاد مائة ألف ريال من النقود؛ لأنهم قدروا أن كل بعير يساوي ألفاً، فجعلوها مائة ألف ريال، وكانت في أول الأمر في أول عهد الملك عبد العزيز ثمانمائة ريال فرنسي، ثم رأوا أنها قليلة مع رخص الإبل في ذلك الوقت، فزيدت إلى ألف، ثم زيدت إلى عشرة آلاف، ثم زيدت إلى ستة عشر ألفاً، ثم زيدت إلى أربعة وعشرين، ثم إلى أربعين، ولما ارتفع سعر الإبل رأى العلماء أنها لا تنقص عن مائة ألف، ومعروف الآن أن الغنم تقاس بالإبل، فهناك الآن من الغنم واحدة تباع بخمسمائة وبأربعمائة وبثلاثمائة، وهناك كثير من الإبل تباع الواحدة بألف أو بثمانمائة أو بألف وخمسمائة، فلو قيل -مثلاً-: ألفان من الغنم فالألفان قد تساوي خمسمائة من الإبل أو ألفاً من الإبل إذا كانت قيمة البعير ألف ريال وقيمة الشاتين ألف ريال، فصارت تساوي ألفاً من الإبل، فعرف بذلك أن الإبل هي الأصل، وإذا ارتفع سعرها ارتفع سعر الدية، وإذا انخفض نقص من الدية.
يقول: [ويجب في عمد وشبهه من الإبل ربع بنت مخاض وربع بنت لبون وربع حقة وربع جذعة] .
هكذا جاء في بعض الأحاديث في دية العمد مغلظة ودية شبه العمد مغلظة تكون أرباعاً: خمس وعشرون بنت مخاض، وهي التي تم لها سنة، وخمس وعشرون بنت لبون، وهي التي تم لها سنتان، سميت بذلك لأن أمها ذات لبن، قد ولدت بعدها، وخمس وعشرون حقة، وهي ما تم لها ثلاث سنين، وخمس وعشرون جذعة، وهي التي تم لها أربع سنين، وكذلك أيضاً شبه العمد يكون أرباعاً، وأما دية الخطأ فإنها تكون أخماساً: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون ابن مخاض من الذكور، هذه دية الخطأ، وهي التي تكون مخففة، والعلماء الآن جعلوا الزيادة في دية العمد وشبهه الربع، فقالوا: دية الخطأ مائة من الإبل، ودية العمد مائة وخمس وعشرون من الإبل، فتكون مائة وخمسة وعشرين ألف ريال لتكون أخماساً.
وإذا اختار أن يدفع الدية من البقر دفع نصفاً مسنات ونصفاً أتبعة، أي: نصف البقر، فيدفع مائة بقرة مسنة، والمسنة هي التي لها سنتان، ومائة تبيع أو تبيعة، والتبيع هو الذي له سنة، وأما من الغنم إذا اختار أن يدفع من الغنم فيدفع ألفي شاة، فنصف منها ثنايا ونصف أجذعة، والغنم يدخل فيه الضأن والمعز، فيدفع من الضأن نصفاً ومن المعز نصفاً، ويكون ربع المعز ثنايا، والثنية هي التي لها سنة، ويدفع الربع الثاني من الجذع، وهي التي لها نصف سنة، وكأنهم أطلقوا وهم يريدون أن تكون من الضأن؛ لأن الجذع من الضأن يضحى به، والجذع هو الذي له ستة أشهر، فكأنهم يقولون: تكون الألفان من الغنم كلها ضأناً، نصفها ثنية تم لها سنة، ونصفها جذعة تم لها نصف سنة.
وتعتبر السلامة ولا تعبر القيمة، فلا يدفع من الإبل ولا من الغنم ولا من البقر المعيب، بل تكون سالمة من العيوب التي لا تجزئ معها في الأضحية، ومعلوم أنه لا يضحى بالعوراء ولا بالعرجاء ولا بالمريضة، ولا بالحتماء التي ذهبت ثنايها من أصلها، ولا بالجرداء التي نشف ضرعها، ولا بالهزيلة التي لا مخ فيها، فكذلك لا تدفع التي فيها هذه العيوب في الدية.
ولا تعتبر القيمة، فلو كان بعضها رخيصاً وبعضها غالياً فيلزم أهل الدية أن يأخذوها ولو تفاوتت قيمتها، فهذه دية الرجل الحر المسلم.