للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كون الوقف على معين]

الشرط الثالث: أن يكون الوقف على معين يملك، إلا المسجد فإنه لا يملك، ولكن يصح الوقف عليه، ولكن لابد أن يوكل من يصلحه، فلو قال: وقفت هذا الدكان على هذا المسجد، فلابد من وكيل يؤجر الدكان، ويطلب الأجر، ويرمم المسجد، ويُصلح ما وهى منه، فيصلح أنواره، أو يدفع أجرة من يخدمه، أو ما أشبه ذلك.

فالمسجد جماد لا يملك، ولكن لابد من إنسان يتولى إصلاحه والإشراف عليه، هذا في المسجد، وكذلك في المقبرة لابد أن يكون هناك وكيل يحفر فيها أو يُصلحها ويفتح الأبواب أو ما أشبه ذلك، فيكون هذا وقفاً على شيء لا يملك، ولكنه يستأجر له من يتولى أمره، وكذلك القناطر -التي هي الجسور التي يعبر بها من مكان إلى مكان- يصح الوقف عليها.

أما غير المساجد فلا بد أن يكون على معين يملك، وذلك إما معين بالذات أو معين بالوصف، ولابد أن يكون ذلك المعين ممن يملك، فالمعين بالذات كأن يقول: هذا وقف على أولادي، فإن كثيراً من الناس يقول: هذا البيت وقف على أولادي أو على أولادي الإناث، تسكنه من هي محتاجة ولا يباع، فهذا معين ببناته، أو يقول: يسكنه من لا يملك سكناً من أولادي بدلاً من أن يستأجر، أو يقول: غلته وأجرته تُقسم على أولادي أو على ذوي الحاجة منهم، فمثل هذا أيضاً معين يملك.

وأما غير المعين فيصح إذا عُين بالوصف، كأن يقول: وقف على المساكين، أو على الفقراء، أو على المجاهدين، أو يقول: غلة هذا العقار أو ثمرة هذا النخل على الصوام أو نحوهم، فهذا غير معين بالذات ولكنه معين بالوصف، وكذلك إذا قال: على ذوي الحاجة من أسرتي أو من القبيلة الفلانية، فكل هذا معين بالوصف، ولابد أن يمكنه أن ينتفع بهذه العين، ويشاهد انتفاعه بها، وأما الذي لا يشاهد فلا يجوز، إلا إذا وقفه مثلاً على تجهيز الأموات بأن يقول: أجرة هذه الدار أو الدكان في تجهيز الأموات، يُشترى به أكفان وحنوط وأجرة حفارين، فمثل هذا أيضاً يملك، وإن لم يكن ملكاً صحيحاً.

فأما ما لا يملك فلا يجوز الوقف عليه، مثاله: هؤلاء القبوريون يوقفون على ذلك القبر، فصاحب القبر ميت لا يملك، فيقولون: وقف على السيد فلان، على سيدي فلان، على الرفاعي، أو على سيدي عبد القادر، أو على سيدي البدوي، وهي أوقاف طائلة توقف على هؤلاء الأموات، ويتلاعب بها الذين يتولونها.

ثم يمثلون لمن لا يملك بما لو قال: وقف على المؤمنين من الجن؛ لأنهم لا يملكون كالبشر؛ ولو أنه خصص المؤمنين، أو قال: وقف على الملائكة، فالملائكة ليسوا من جنس البشر، ولا يملكون ملك المشاهدة، فلابد أن يكون الوقف على معين، وأن يكون ذلك المعين ممن يصح تملكه وانتفاعه.